المساهمات : 183 تاريخ التسجيل : 25/11/2007 العمر : 57
موضوع: الاخراج في الفيلم الامازيغي الجمعة أكتوبر 30, 2009 2:25 pm
لست مضطرا للتأكيد على اهمية الملتقيات والمهرجانات السينمائية بالنسبة لسيرورة الابداع الفيلمي الامازيغي، ففي ظل ضعف المواكبة النقدية الملحوظ منذ مايقارب عمر انتاج الفيلم الامازيغي الذي ينيف قليلا عن 20 سنة، وفي ظل غياب ثقافة الاندية السينمائية الامازيغية، والتي للأسف لم تهتم بها المئات من الجمعيات الثقافية المنتشرة عبر الربوع المغربي، تكتسب تلك التظاهرات اهمية بالغة في فتح قناة حوار جدي مابين المتلقي وصناع " الفيلم الامازيغي"، سواء في مرحلة الانتاج او اثناء التوزيع، بعد المرور طبعا من مراحل الكتابة السيناريستية، التصوير، الاخراج، المونتاج، الصوت ..وغيرها من مراحل تكون الفيلم كمنتوج له سمة او طابع مزدوج: فهو فن من جهة، وصناعة من جهة ثانية. نحن نجمع على كون ميلاد الفيلم الامازيغي، كان في ظروف فرضت فيها الهواية المطلقة نفسها، دون وجود سابق تكوين او تجربة في المهن الامازيغية، وهذا لايعني في الاساس مسلمة يمكن الاخذ بها كقاعدة عامة، حين نجد الاستثناء ينتشلها من التعميم. ان الاستثناء الذي نتحدث عنه، يكمن في وجود أطر احترافية التكوين في المهن السينمائية، تنتمي اصلا للبيئة الامازيغية في سوس، الريف والاطلس، لكنها لم تع يوما بأهمية منح الهوية الثقافية الذاتية اهتماما متميزا بطابع التعدد، لتختار فقط الاشتغال في مجال الفيلم المغربي باللسان العربي " الدارجي"، في الوقت الذي كان فيه ممكنا ان يعرف المغاربة ميلاد سينما امازيغية منذ السبعينيات والثمانينيات ، بل ومنذ بدايات الاستقلال. كان الامازيغي مهمشا كإنسان في الفيلم السينمائي المغربي، ومهمشا كحمولة اجتماعية وتاريخية ثقافية بشكل ولد خطاب المطالبة بالحق في الصورة والاعلام كمحاور، قادت عبر خطاب الحركة الثقافية الامازيغية الى تحقيق مكتسبين لايستهان بهما خلال السنوات الاخيرة: انتباه صندوق دعم السينما التابع للمركز السينمائي المغربي للمنتوج الامازيغي لأول مرة في منتصف الألفية الثالثة، من خلال دعم انتاج اول فيلم سينمائي امازيغي ينال الاعتراف الرسمي من المركز السينمائي ولجن القراءة التي تخول لمشروع فيلمي الرفض او القبول على مستوى الدعم، ثم التوفق في تفعيل مشروع القناة الامازيغية. جدير بالذكر، ان السائد على مستوى التوزيع منذ عقود، لايتجاوز افلام الفيديو، التي ستوظف فيما بعد وسيط الاقراص المدمجة للاستفادة من تكاليفها المنخفضة مقارنة مع اشرطة الفيديو، مع وجود افلام انتاجها كان من قبل التلفزيون المغربي بقناتيه، قبل ان تدخل الشركة الوطنية للاذاعة والتلفزيون كممول لمشروع ضخم كان يستهدف انتاج 30 فيلما أمازيغيا كل سنة ، استلزم رصد ميزانية ضخمة، خلقت فيما بعد ضجة كبيرة بسبب تفويتها كنوع من الصفقات لشركة واحدة، دون صفقة مفتوحة قد تستفيد منها شركات انتاج متعددة . حين نتسائل عن هوية المخرج في مجال الفيلم الامازيغي، ونقوم ببحث ميداني في المنجز الهائل على مستوى الكم من الافلام، ثم نبحث عن المستوى الثقافي ودرجات التكوين المهني او الذاتي، اكيد ستكون نتائج البحث كارثية في المجمل، ولا تجعلنا نطمئن أساسا الى كوننا فعلا امام " صناعة فيلمية"، لهيمنة استسهال " الاخراج"، والتعامل مع الكاميرا وتوجيه الممثلين و تنويع زوايا الالتقاط وغيرها من الابجديات الاساسية تعاملا هشا جدا، يعتمد الاطالة في المشهد الواحد ( ربما لحسابات انتاجية مرتبطة بالتمويل، حيث تتهرب الشركات المنتجة من الاطالة على صعيد مدة التصوير وتكاليفه اليومية)، مع الاهتمام الكبير بالحوار اللفظي، دون التعبير بلغة الصورة الموحية. شركات انتاج الفيلم الامازيغي لا تغامر بميزانية تضمن الحد الادنى للجودة، بل ، تقيد المخرج بكاستينغ مفروض مسبقا في الغالب ( قد يأخذ فيه فنان غنائي او فنانة دورا ، لحاجات اشهارية للرفع من مستوى مبيعات ألبوماته التي تنتجها نفس شركة انتاج الافلام الامازيغية)، بحيث ان مجموعة من الشركات تحاول احتكار ممثلين وتقنيين بشكل لايخضع لوفائها بالتزامات وعقود مغرية ، فتجد مجموعة من هؤلاء في شبه ملكية هذه الشركة او تلك، وقد يغضب منتج حين يخرج احدهم عن القطيع ، فيعمد الى اللوم والسخط، دون استبعاد تقديم شكواه للمنتج الثاني الذي " تجرأ" على استقطاب ممثليه وتقنييه..هذه الصورة لدينا منها أمثلة ، للأسف ، ونحتاج الى تجاوزها من أجل تحرر افضل للمخرج قصد الابداعية دون الخضوع لتوجيهات المنتج، ومن اجل اشتغال مكثف للممثلين والتقنيين قصد مراكمة تجربة اكثر، وترسيخ تنافس فني على مستوى اداء الممثلين، دون الاشتغال في حيز محدود جدا، ودون الحاجة الى استنساخ عشرات اسماء مخرجين جدد كل عقد من الزمن، حيث ان الممثل يغدو مخرجا في ظرف وجيز في حالة الفيلم الامازيغي، دون مرور من تجربة الفيلم القصير، ودون الاشتغال كمساعد مخرج كفترة تدرب واستئناس بالابجديات، وربما هذه الظاهرة لها مسؤولية في طبيعة انتاج الفيلم الامازيغي، وهي طبيعة لا تخضع لخط أفقي صاعد على مستوى الجودة، بقدرما تشكل فسيفساء يطبعها الصعود تارة، والانحدار التام تارة أخرى، وكمثال تبسيطي فقط، يمكن ان نقارن بين مستوى افلام البدايات كفيلم المخرج الحسين بيزكارن " تمغارت وورغ"، و " بوتفوناست " وبين افلام انتجت في الالفية الثالثة كفيلم " سعدان" او " علي بوقساس" لاستخلاص ان الفيلم الامازيغي الذي بدأ بشكل اخراجي محترم وفيه مجهود، انتهى به المطاف الى شكل لا وجود فيه لمعالم حقيقية لصفة " مخرج" ، وهذه الظاهرة كما قلت غالبا ماتعود لظهور عشرات المخرجين الجدد كل خمس سنوات او كل عقد من الزمن، مخرجون قد تجدهم اصحاب شركات انتاج لاتتطلب في احداثها الا رأسمالا زهيدا قدره في الغالب 10 آلاف درهم، واقتناء كاميرا للتصوير، فتجد المنتج هو نفسه المخرج، وهو نفسه بطل الفيلم، ومنجز المونتاج، ومحدد الموسيقى التصويرية وكاتب السيناريو..دون احترام تخصص معين، والنتيجة بطبيعة الحال تكون منتوجا فيلميا لازلت تلاحظ فيه اضطراب يد المصور اثناء تصوير لقطة، وصوت الزوم الذي يسهل التقاطه ، فكل شيء يختصر في اتقان كلتي " سيلونس" وبعدها " كوبي "..
ا يجعلنا متفائلين رغم ذلك، هو وجود تجارب لابأس بها استطاعت تحقيق جودة محترمة، من خلال اشتغالها اولا على سيناريو واضح الملامح والبنى الدرامية ، ومن خلال الرؤية الاخراجية التي حاولت الاجتهاد والانطلاق من علاقة قبلية مع الصورة السينمائية اجمالا كمنتوج شكل تراكمات بصرية ومعرفية في اذهان فئة " السنيفيليا الامازيغية" .
* قدمت هذه الورقة الاطار خلال الدورة الرابعة للمهرجان الوطني للفيلم الامازيغي بوارزازات.