جمعية الاخوين لوميير للسينما
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
جمعية الاخوين لوميير للسينما

Association Frères Lumière du Cinéma
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 جراح الروح والجسد ج6

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
م.ت.بحرية

م.ت.بحرية


المساهمات : 253
تاريخ التسجيل : 27/11/2007

جراح الروح والجسد ج6 Empty
مُساهمةموضوع: جراح الروح والجسد ج6   جراح الروح والجسد ج6 Emptyالخميس ديسمبر 27, 2007 12:24 pm

حاولت أن أنظر سحبتني بقوة . أغلقت الباب . كانت ترتعش . اصفر لون وجهها واستندت للحائط . دخل عمها ابراهيم وقال :
- الزنقة خالية . مالك ؟
سألته خديجة :
- من ذاك الرجل الذي كنت تتحدث اليه ؟
نزع طاقيته و حك صلعته ثم قال :
- هذاك الحاج . غني جدا , ياه " عنده اللي يتحرق ما يتم ". يأتي من حين لآخر عند الحاجة يفرج عن نفسه . يصرف في اليوم الواحد مرتب موظف محترم . الحاجة تختار له كل مرة أجمل البنات عندها . قد يأتي دورك يوما ما .
كان يتحدث و خديجة تزداد اصفرارا . لم تجبه . سحبتني بقوة واخذت تركض خارج العمارة . تركض و تركض كأن كل العفاريت الموجودة تحت الأرض و فوق الأرض تتعقبها. رجلايا كالقطن يا خديجة يا مجوسية . لا أستطيع الجري . أبي ماذا تفعل أنت الآخر هناك ؟ تبذر أموالك في تلك الشقق و خديجة تأتي بها من هناك . أية سخرية ؟ لم أعد أستطيع الجري . كانت تسحبني . فقدت القدرة على الوقوف . سقطت . جرحت ركبتي . لم تعبأ بي . دخلنا محلبة كنا نلهث.. الدم يسيل من ركبتي و قلبي لماذا لم يتوقف لحد الآن عن الخفقان ؟ و ضحكات بواب العمارة , أسنانه الصدئة , ستصبحين مثل أختك . أختك قحبة كتدربك من دابا , مؤخرتك ستصبح مليئة شحما ولحما, الدم ينزف من ركبتي ورائحة العرق ممتزجة برائحة البول تعطي خليطا يبعث على التغوط .
- تريدين كوكاكولا أو حليب رائب ؟
حليب رائب يا مجوسية ؟ رشوة هذه أم ماذا ؟ بالله عليك لا أريد شيئا , أريدك أن تغربي عن سمائي , أريد سما اسأليه ان كا ن لديه سم .
أخذت زجاجة كوكاكولا و شربتها دفعة واحدة . مسحت العرق عن وجهها , كانت تتمتم وحدها :
- الى درت شي حسنة وقفت لي اليوم .
حسنة ؟ عن أي حسنة تتكلمين ؟ هل ما كنت تفعلينه في الطابق الأول حسنة ؟ و ما كنت تفعلينه في الشقق المعفنة الأخرى حسنات ؟ دخلت متسولة , أعطتها عشرين فرنكا وهي تتلو شيئا في سرها . هل العشرون فرنكا التي أعطيتها للمتسولة هي التي ستدرؤ عنك الشر ؟ هي الحسنة ؟
كانت لاتزال تكلم نفسها:
- لوالتقيته وجها لوجه ماذا كان سيحدث ؟
تضرب فخذيها بكفيها . نظرت الي ثم وضعت يديها على عينيها ثم على أذنيها ثم على فمها. فهمت. لا أرى , لاأسمع , لا أتكلم . أتكلم ؟ لست على استعداد أن أبيت ليلتي في المرحاض
دخلنا الى البيت كانت والدتي غاضبة جدا لتأخرنا وقبل أن تفتح أمي فمها سحبتها خديجة من يدها كمعزة تائهة وقالت لها:
- كنت عند فقيه
- الفقيه السوسي ؟
- لا فقيه آخر كيشوف في عظم اليهودي ؟
نسيت والدتي غضبها و كل ما حضرته في غيابنا من خصام وسب وشتم و فتحت عيناها دهشة . أما أنا فلم أعد افتح فمي دهشة و لم تعد تتسع حدقتا عينيَّ . مع خديجة أنتظر كل شيء واي شيء . ( أكملي حكايتك , ماذا رأى الفقيه في عظم اليهودي ؟ أعرف ما ستقولين مسبقا وأي حكاية ستحكين . احكي يا شهرزاد . شهرزاد سترفع راية الاستسلام أمام حكاياتك العجيبة , وامي طفلة صغيرة تصدق كل الحكايا والأكاذيب .
- قال الفقيه أن أبي فاسق .
- فاسق ؟ كيف ؟
- قال انه يذهب لدار قوادة و يصرف كل أمواله هناك .
هزت أمي كتفيها بلا مبالاة :
- انه يكذب . والدك يصلي كل وقت بوقته , ويصوم كل يوم اثنين و خميس .
- طلبي التسليم يا أمي .
- التسليم .
يأتي أبي ليلا , يامر والدتي بتجهيز الحمام , يصفر وجه أمي تقول له :
- لقد أخذت حمامك صباحا وليس من عاداتك أن تستحم مرتين في اليوم الواحد .
- لقد تعبت في المحل . شغل كثير و عرقت . ثم أنت ما شانك ؟ انا حر. أستحم مرتين أو عشرة في اليوم الواحد , أنا من يدفع فاتورة الماء والكهرباء .
تبادلت خديجة ووالدتي نظرات ذات مغزى . دخلت والدتي المطبخ , تبعتها خديجة وقالت لها بانتصار :
- شفت ؟ الفقيه عنده الحق .
صمتت والدتي و محت دموعها.
صرخت فيها خديجة :
- لماذا تبكين ؟ فيقي من الغفلة . هذه الأموال التي يصرفها على القحاب نحن أولى بها.طبعا ما دمت لا تطلبين منه لا جلالبية ولا دمليج , و يرمي لنا كل يوم فرنكات و ينصرف . عندما تكثر الأموال في يده يصرفها على الأخريات . و قد قال عمي ابراهيم ..
و تقاطعها والدتي :
- من هو عمي ابراهيم ؟
تتلعثم خديجة :
- أ.أ. أقصد الفقيه ينادونه عمي ابراهيم . قال أن أبي يصرف باسراف . عندما يأخذ حمامه و يتعشى قولي له أن يشتري لك جلبابا ولا تنامي حتى تأخذي النقود منه .
تنفذ والدتي كل الأوامر . كأن خديجة تحمل آلة للتحكم عن بعد تسيرها كما تريد . تتصرف والدتي دون تفكير أو عقل أجلس أنا و خديجة في غرفة النوم ننتظر نتيجة المفاوضات . نسمع صراخا وضربا و بكاء , فنعلم أن النتيجة فاشلة . تأتي أمي الى غرفتنا تنام معنا. ليلا أتسلل اليها . أنام في حضنها , ادفن رأسي بين ثنايا عنقها , أسرق بعض الدفء والحب وأنام .

أحاول أن أتذكر الأشياء الجميلة في حياتي , فلا أكاد أجد شيئا. حياتي ليس فيها سوى الخوف والحزن والمرض .
أتذكر أول مرة أحببت فيها, و مع ذلك لا أدري ان كانت ذكرى محزنة أم جميلة . كان يسكن في حينا و في العمارة المواجهة لبيتنا. أصعد الى السطح واطيل النظر اليه. كان وسيما كثيف الشعر أسوده و ذو شارب كث و عيناه خضراوان. كان يشبه نجوم السينما. لم يكن من أبناء بلدي ولم أكن أعرف اسمه أو ماذا يفعل فلذلك أسميته " حسن " و تخيلت أنه طالب في كلية الطب , وانه مصري الجنسية .
كنت أعرف متى يذهب الى الكلية و متى يأتي منها. أطل من الشرفة , ألتهمه بعيني . لوينظر الي فقط ؟ لكن لم يكن يحس بوجودي أبدا . أحببته بكل قوة فتاة تبلغ السادسة عشرة من عمرها تعاني الكبت والحرمان . حكيت لزميلتي في القسم عن حبي اليتيم , أملت علي فكرة جهنمية : أكتبي له رسالة و سأرميها تحت عقب باب بيته . " هكذا قالت . فرحت . كيف لم تخطر ببالي هذه الفكرة ؟ كتبت رسالة ملتهبة و بقلم أحمر ووضعت في قلب الرسالة وردة حمراء و لكن المضحك المبكي في الأمر أن صديقتي رمت الرسالة بالخطأ تحت عقب باب أناس يسكنون بالطابق الرابع في حين أن " حبيبي " يسكن في الطابق الخامس . وكانت الفضيحة . علم أهلي بالخبر . استنطاق جديد و ضرب و بكاء , ألم , حراسة مشددة و لم أعد اذهب الى المدرسة لوحدي بل برفقة " قدور القذر" لكي " يحرسني " و " يحميني " . و كل شيء من أجل الحبيب يهون وأنا أنتظر أن يأتي حبيبي و ينقذني مما انا فيه و نتزوج و نعيش في ثبات و نبات و نخلف صبيان و بنات . هكذا علمونا في الأفلام المصرية . لكن حبيبي لم يكن يعلم بما يحدث حوله أو يعلم و يتجاهل . و عاد الى بلده , وقدا كان لبنانيا وليس مصريا واسمه " نايف " وليس " حسن " و يدرس الحقوق و ليس الطب .
كبرنا جميعا . " قدور القذر" سافر الى فرنسا و تزوج فرنسية وانجب منها . و تزوجت جميع شيقاتي الا خديجة , تجاوز عمرها الثلاثين سنة . أصبحت عصبية أكثر من المعتاد . تكاد تجن . كانت على استعداد أن تفعل أي شيء من أجل الزواج . لم تترك فقهاء ولا عرافات . جربت جميع الوصفات دون جدوى . و كانت تتقرب من كل امرأة تعرف أن لديها ابنا أو شقيقا في سن الزواج .
أخيرا تصيدت عريسا . كان وسيما جدا . أنيقا يرتدي دائما بدلة و ربطة عنق و حذاء لامعا. ورائحة عطره تسبقة . لكن ما ان يتكلم حتى يصبح المرء يطلب شيئا واحدا : متى يقفل هذا الشخص فمه ؟ كان لا يحسن الا شيئين اثنين : الأكل أو الحديث عن أصناف الطعام . و عندما يصمت فلأن عيناه مثبتتان بكل وقاحة على مؤخرة زوجة أخي الممتلئة شحما و لحما . لم يكن شخصا يبعث على الارتياح أبدا . كانت خديجة تبدو متلهفة عليه . ما ان يحضر حتى تتلاشى أمامه , وكان ينظر اليها بتعال و يعاملها بلا مبالاة . شيء غير محدد جعلنا نحس أن في الموضوع حكاية غير مريحة .
في يوم ما جاء شقيقي و قال لي :
- سمعت خديجة بالصدفة توصي ساعي البريد أن يحتفظ لها بجميع الرسائل البنكية ويسلمها لها شخصيا واعطته ورقة نقدية من فئة خمسين درهما.
- أحسست بالوساوس والشكوك تملأ رأسي لكن تظاهرت باللامبالاة :
- نقودها و هي حرة فيها, تفعل بها ما تشاء .
- نقودها ؟ أريد أن أفهم شيئا واحدا : كيف يكون لها رصيد ضخم بهذا الشكل و هي لا تعمل ؟
- أنت تعرف أن الرصيد مشترك بينها وبين والدتي . ووالدتي تضع النقود التي تحصلها من الايجار و..
أسكتني باشارة من يده :
- لاتكملي . أنت تحاولين اقناعي بشيء أنت لست مقتنعة به أصلا . البيت الذي تملكه والدتي لا يزيد عن غرفتين في المدينة القديمة , وايجار الغرفتين يكفي بالكاد لشراء علبتي سجائر و " سندويتش " , و خديجة لها رصيد بالملايين جعلته مشتركا مع والدتي للتمويه فقط . لست غبيا .
صرخت فيه بعصبية :
- مادمت لست غبيا فلماذا تكثر من طرح الأسئلة ؟
- أريد أن أواجهها واعرف من أين لها كل هذه النقود ؟
بعصبية اكبر صرخت فيه :
- واجهها اذن ماذا تنتظر؟ انها بالطابق الثاني تحضر لوازم عرسها , اذهب واسألها. لكن بودي لواسالك أنا كذلك : لماذا لم تسألها قبل الآن ؟ لماذا لم تقل من أين لك هذا عندما كانت تدفع مصاريف دراستك في المدرسة الراقية الحرة التي اخترتها عوض الجامعة ؟ أربع سنوات و هي تدفع مصاريف دراستك و ملابسك و مصروف جيبك و لم تفكر في طرح أ ي سؤال عليها , والآن بعدما تخرجت واصبحت في مركز مرموق أصبحت تطرح الأسئلة و تستعرض عضلاتك و رجولتك .
احمر وجهه , تلعثم , كور قبضته و ضرب المائدة الرخامية :
- ماذا تقصدين ؟ أنني كنت أعرف و..
- لم تكن وحدك تعرف , كلكم , كلنا.
انصرف و يلعن جذور أجدادنا جميعا.
و بعد أسبوع جاء شقيقي ثانية و علامة الانتصار بادية على وجهه و بيده رسالة :
- لقد صدق حدسي . أنظري هذه رسالة من البنك . لقد سحبت خديجة سبعين ألف درهم على دفعتين , أنظري جيدا .
و نظرت جيدا . أجل لقد سحبت سبعين ألف درهم ثم قلت ببلاهة :
- ماذا يعني هذا ؟
- سأقول لك ما ذا يعني . لقد اشترت عريسا . أجل هي من دفعت مهرها واكترت الشقة واثثتها و جهزت نفسها. هذه كل الحكاية .
كنت أعرف انه صادق في كل شيء لكن قلت له :
- لا تتعجل في حكمك عليها , ربما سحبت النقوذ من أجل شيء ما .
- مثل ماذا مثلا ؟ لماذا تدافعين عنها ؟
- اقترب عرسها ولا نريد مشاكل , هذا كل ما في الامر.
- هذا الزواج لا يجب ان يتم . سأواجهها .
افعل ما بدا لك , لكن اتركوني و شأني .
- انني أنتظر قدومها, ستسمعين و سترين , ولن أترككها حتى تعترف من أين أتت بهذه النقود اولا وبعدها أين تبخرت ؟
واتت خديجة فرحة , تحمل لفافات كثيرة . كانت تنادي على والدتي وامينة لتريهما ما تحويه اللفافات .
بعدها جاء شقيقي مكشرا ووضع ورقة البنك أمام عينيها وقال لها :
- مامعنى هذا ؟
تلون وجه خديجة بكل الألوان , كانت يداها ترتعشان وهي تمسك الورقة ثم قالت متلعثمة :
- من أين أتيت بهذه الورقة ؟
- لايهم من أين أتيت بها, المهم أن تشرحي من أين لك بهذه الملايين واين تبخرت ؟
- على ما يبدوان البنك ارتكب خطأ ما سأذهب فورا اليهم .
أجابها بسخرية :
- الأبناك مغلقة أيام الأحاد .
- اذن سأذهب اليهم غدا .
- أنت لن تذهبي الى أي مكان لأنك تعرفين أين صرفت هذه النقود , لقد اشتريت بها عريسا , و دفعت بها مهرك وايجار الشقة و جهزت نفسك .
كانت والدتي تجيل النظر اليهما فاتحة فاها وهي لا تكاد تصدق ما تسمع . عادة عندما لا تجد خديجة ما تدافع به عن نفسها فهي تنخرط في نوبة بكاء هستيرية و يزرق وجهها و تحلف بقطع رجليها ويديها و مؤخرتها واصابتها بالمرض الخايب,( هل يوجد مرض زوين ؟) ثم تسقط أرضا .. تأخذ في الركل بقدميها ويديها كأنها في حلبة المصارعة ... تتدلى شفتها السفلى .. يخرج الزبد من فمها و تصرخ والدتي جزعا :
- المسلمين , المسلمين , اعطيوني السوارت .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
جراح الروح والجسد ج6
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حراح الروح والجسد ج12
» جراح الروح والجسد ج11
» جراح الروح والجسد ج 10
» جراح الروح والجسد ج9
» جراح الروح والجسد ج8

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
جمعية الاخوين لوميير للسينما :: أفضل الروايات :: جراح الروح والجسد -مليكة مستظرف-
انتقل الى: