موضوع: مفهوم جديد لـ«سينما المؤلف» الأربعاء يوليو 02, 2008 1:23 pm
رغم الإغلاق المتزايد لقاعات السينما ببلادنا فإنها تعرف، والحمد لله، «ازدهارا» غير مسبوق في ما يخص تنظيم التظاهرات والمهرجانات السينمائية التي عمّ خيرها وانتشر إلى حد أنها صارت تأخذ برقاب بعضها البعض، وتزرع الحيرة لدى المشاهد المتعطش الذي لم يعد يدري كيف يختار بينها فيفضل، من ثم، البقاء في بيته مغلقا الباب عليه. والحقيقة أن المتفرج العادي ليس وحده من يجد نفسه في مثل هذا الحال من الحيرة، حيث انضاف إليه صحافيون ونقاد سينمائيون ومهتمون بالشأن «الفيلمي»، لكن ليس بسبب كثرة المهرجانات وتناسلها المضطرد من بعضها بعض، وإنما بسبب «الثقافة السينمائية الجديدة» التي صارت تنشرها هذه «المهرجانات»: فهذا، على سبيل العد لا الحصر، مهرجان اختار لنفسه التخصص في شيء أطلق عليه «سينما المؤلف» (ويعني بها المختصون الأفلام المدموغة ببصمة مخرجها وخاتمه الخاص والمتحدية لضغوط المنتج وسطوة «النجوم») يكرّم في دورته لهذا العام ممثلة مصرية تدعى نادية الجندي، وهي ممثلة لا علاقة لها بـ«التأليف» من قريب ولا من بعيد، بل إن علاقتها بالسينما التجارية (أي سينما «النجوم» و«أشباه النجوم»، التي تقف على طرفي نقيض من سينما «المؤلف») هي أوطد من علاقتها بأي شيء آخر. وهذا التناقض بين الشعار والفعل هو، بالتأكيد، مصدر حيرة حقيقي، ما عدا إذا كان أصحاب المهرجان يقصدون بـكلمة «مؤلف» شيئا آخر غير المعنى المعروف والمتداول للكلمة («المؤلف بين القلوب»، مثلا)، وحينها يتعين على أصحاب المهرجان امتلاك ما يكفي من الشجاعة للإعلان عن أن ما يقومون به بعيد كل البعد عن السينما وقريب كل القرب من باب «المؤلفة قلوبهم». وفعلا فقد لاحظنا في السنوات الأخيرة أن كثيرا من التظاهرات السينمائية صار يتحكم فيها رؤساء جماعات (أو مقاطعات، كما صارت تسمى) بلدية وقروية. وبما أن معظم هؤلاء يتوفرون على «ثقافة سينمائية» جد متواضعة (هم يتوفرون، بالأحرى، على «ثقافة سوليمائية» تجعلهم لا يرون في كل فيلم يشاهدونه سوى «الولد» و«البنت» و«ميخي» و«البانضي»)، وبما أنهم هم المتحكمون الفعليون في مسار تلك التظاهرات (وليس المدراء الفنيون، كما يجري به الأمر في باقي بلدان العالم)، تكون النتيجة هي هذه المهرجانات الغريبة التي ترفع لواء الجهل والتخلف وتعود بالثقافة السينمائية ببلادنا سنوات ضوئية إلى الوراء. إن ما يهم هؤلاء الناس، الذين يعتقدون أن تحكمهم في «سيولة» مالية موضوعة رهن إشارتهم يتيح لهم التحكم في العالم بإسره، هو أن يحضر لهم المدراء الفنيون، أو من يقوم مقامهم، ممثلات أو «نجمات»، ارتبطن بأحلام مراهقتهم (المبكرة أو المتأخرة، لافرق)، وهذا هو «المهرجان» بالنسبة إليهم؛ وهم مستعدون لدفع «الغالي والنفيس» من أجل ذلك. وبطبيعة الحال فهم لا يعبرون عن رغباتهم بشكل مكشوف (خوفا من أن يجدوا أنفسهم فوق أريكة محلل نفسي) وإنما هم يبررون الأمر بقولهم إن حضور «النجوم» (أو «النجمات»، بالأصح) هو الضامن الوحيد لنجاح المهرجانات وسط الشعب. وقد حصل قبل بضع سنوات أن طلب المشرفون على أحد المهرجانات السينمائية دعما من بلدية مدينتهم، وكان رد رئيسها إيجابيا لكن بشرط: أن يحضروا له «النجمة الكبيرة» مديحة كامل، وحين أخبروه بأن هذا غير ممكن لأن المعنية التحقت بالرفيق الأعلى قبل فترة انهار باكيا أمامهم مثل طفل صغير، واضطروا، من ثم، إلى التخلي عن مطلبهم الأصلي والاكتفاء بالطبطبة على كتفه من أجل مواساته وتعزيته في المرحومة، وإنا لله وإنا إليه لراجعون. وقد توصلت «نجمة» مصرية محتفى بها في أحد المهرجانات «السوليمائية» عندنا بدعوة خاصة من مديره لحضور أمسية تنظم على شرفها رفقة باقي المدعوين. وحين سألت زملاءها من الوفد المصري عن الدعوة فوجئت بأنه لا أحد منهم توصل بها، فأصرت على اصطحابهم جميعا معها ليفاجأ الجميع بأن الدعوة كانت في «سويت» فاخر بفندق، وبمدير المهرجان يستقبلهم مرتديا «الروب دو شامبر» ومحاطا بزجاجات من كل شكل ولون، دون أن يفلح ترحيبه الظاهري بهم في إخفاء استيائه من حضورهم «الجماعي» الذي أفسد عليه تصوره الخاص للسينما و«للمهرجان». مصطفى المسناوي
الرئيسية 
