المساهمات : 183 تاريخ التسجيل : 25/11/2007 العمر : 58
موضوع: نقاد – مُفتون.. و«سينما عائلية» الجمعة أكتوبر 23, 2009 7:42 am
تحولت السينما، في الآونة الأخيرة، إلى ما يشبه «الحائط القصير»، كما يقول التعبير الشعبي، بحيث إن الجميع عندنا صار بإمكانه تنظيم «مهرجان» سينمائي، حتى في القرى النائية وأعالي الجبال، معتمدا في ذلك على أقراص «الدي في دي» (لا غلا على مسكين) وأريحية المجالس البلدية والقروية التي صارت مهتمة، أكثر من ذي قبل، بـ«النشاط» الثقافي والفني الذي وجدت «راحتها» فيه؛ كما صار بمقدور أيٍّ كان أن يضع كاميرا فيديو رقمية على كتفه ونظارة سوداء على عينيه ويزعم أنه «مخرج» سينمائي من عيار ثقيل وأنه هو خليفة كوبولا وستانلي كوبريك في بلادنا، فيصدّقه الجميع ولا يحاسبه أحد؛ كما أن بإمكان أي كان أن يتحول إلى «ناقد» (أو ناقم) سينمائي من نوع جديد، يجتمع فيه المحدّث العلاّمة بالفقيه النحرير، يصدر الفتاوى ذات اليمين وذات الشمال حول الأفلام، سواء أشاهدها أم لم يشاهدها، مقدّما إلينا فتوحات جديدة في تاريخ النقد السينمائي لا يمكننا أن نستغرب معها إذا وجدنا بلادنا وقد احتلت الرقم واحد (بالمقلوب) على قائمة الدول «الحابية» على درب النمو والسينما معا. بفضل هذا النوع من «المخرجين» و«النقاد» الجدد، خرجت السينما من السينما وابتعد الفنّ عن الفن السابع لتتصدّر الرداءة الميدان، مادام معيار المحاسبة هنا لم يعد ينتمي إلى علم الجمال بقدر انتمائه إلى مجالات قيمية أخرى على رأسها علم الأخلاق (أو ما يتوهم البعض أنه كذلك)، فيحاسَب الفيلم على أساس اقترابه أو ابتعاده من قيم الخير والشر، ويتناسى الجميع طرح السؤال الأساسي: هل هو فيلم أولا؟ وحين يطرح، نكتشف أن الفيلم لا تتوفر فيه مقومات العمل الإبداعي السينمائي أصلا. وبالتالي، لا يعمل هؤلاء «النقاد - المُفتون» سوى على نشر الرداءة والدعاية لها في كل مكان. المصيبة أن الأمر لم يعد يقف عند مستوى «الاجتهادات» الفردية المحدودة لبعض الأشخاص المتطفلين على السينما وعلى الفن معا، بل تحول إلى شبه اتجاه له مريدوه والمدافعون عنه على مستوى العالم العربي. وأبرز ما يمكن أن نذكره بهذا الخصوص مهرجان ينتظر أن تنظم دورته الأولى بعد بضعة أيام في أحد بلدان الخليج، حيث أنشأ منظمّوه فرعا جديدا للتباري غير معروف ولم يُسبق إليه في العالم على الإطلاق، أطلقوا عليه اسم: فرع «الأفلام العائلية»، ويعنون بها الأفلام التي لا تتضمن مشاهد يعتبرونها هم شخصيا ماسة بالقيم العائلية، كأن يقبّل الممثل الممثلة (قياس الخير) أو يختلي الممثل بالممثلة في غرفة واحدة دون أن يكون معهما أي «محرم». وبما أن كل الأفلام العائلية حتى المحافظة منها والمدافعة بشراسة عن «قيم العائلة» تتضمن قُبَلا أو ما يماثلها، فقد طلب منظّمو المهرجان الجديد من المخرجين أن يطبعوا لهم نسخا من أفلامهم خالية من المشاهد «غير العائلية» على أن يتكفّل المهرجان بدفع كلفة إعادة «مونتاج» هذه النسخ ومصاريف طبعها من جديد. ومن اللافت للانتباه أن بعض المخرجين، العرب خاصة، قبلوا عرض المهرجان وأعدوا له نسخا «عائلية» خاصة به؛ ربما طمعا في التعويض المادي السمين الذي وعدهم به منظموه. غير أنهم، وهم يفعلون ذلك، لا يدركون أنهم إنما يبرهنون على عدم إيمانهم بما يقدمونه إلى المشاهد في أفلامهم، الحالية والسابقة والمقبلة، وأن اللقطات التي يضعونها في هذه الأخيرة ليست «ضرورية» -كما يزعمون- لإيصال ما يريدون إيصاله إلى المتلقي وإلا لم يكونوا ليحذفوها، معتبرين أن هذا الحذف لا يؤثر على السياق العام للفيلم ولا على البناء الجمالي الخاص به. إنها مرحلة جديدة، إذن، يرفع فيها لواء السينما بيد ليتم خنقها بيد أخرى، في «مؤامرة» غريبة من نوعها، تتم أمام أنظار (وصمت) الجميع! مصطفى المسناوي