غالباً ما ينظر للبروفة علي أنها وسيلة تساعد الممثل علي التذكر , لكنها في الحقيقة أهم من هذا بكثير , فهي المرحلة الأولي التي يبعث خلالها المخرج والممثل الحياة في الشخصية المكتوبة علي الورق . كما أنها في الواقع أولي مراحل توجيه الممثل .
تحضير المخرج :
من الواضح أن توجيه الممثل يتطلب التحضير جيداً من جانب المخرج , فالممثل الجيد بطبيعته عادة ما يكون متعطشاً لسماع توجيهات المخرج التي يمكنه الاستفادة منها, إلا أنه إذا شعر أن المخرج لا يعرف تماماً ما يريده فسوف يسبب هذا الشعور مشكلة للطرفين .
ولابد بالطبع أن يعرف المخرج ما هو هدف المشهد , وما هي أهمية ووظيفة كل جملة فيه . وكيف يؤثر كل هذا علي مشاعر الشخصيات وطبيعة تصرفهم في المشاهد التالية .
باختصار إذا, يجب أن يكون الموقف بأكمله واضحاً في ذهن المخرج حتى يستطيع توجيه الممثلين , بداية من فهمه للسيناريو الذي يقوم بإخراجه, ومروراً بوضعية المشهد داخل السيناريو, واللقطة داخل المشهد, ثم انتهاء بوظيفة كل جملة وطبيعة أدائها التمثيلي .
وهناك ستة أسئلة يجب أن يكون المخرج قادراً دوماً علي إجابة الممثل عليها عن الشخصية التي سيقوم بتجسيدها . وهي :
1 - من أنا ؟
2 - ما هي بلدي ؟
3 - أين أنا الآن ؟
4 - من هم الناس من حولي , وكيف أشعر تجاههم ؟
5 - ما الذي أريده من كل شخص ؟
6 - ما الذي سأفعله للحصول علي ما أريده ؟
وإذا استطاع المخرج الإجابة علي الأسئلة الأربعة الأولي , فقد نجح في إمداد الممثل بالمعلومات الأساسية التي سيستعين بها في أداءه , وسوف يتمكن في الأغلب من توجيه الممثل بسلاسة في موقع التصوير .
ويتفاوت كم المعلومات المطلوبة عن تاريخ وحياة الشخصية حسب الممثل الذي يؤديها , فهناك ممثلون يسألون عن كل كبيرة وصغيرة في حياة الشخصية , وهناك آخرون يستمتعون بالكلام عن تاريخ هذه الشخصية لساعات طويلة . ويجب علي المخرج أن يكون مستعداً في كل الأحوال , وأن ينتبه إلي أن تصب كل مناقشة أو تحليل للشخصية في اتجاه واحد هو الاتجاه الذي يخدم الأداء , خاصة إذا كانت المناقشة سابقة لتصوير مشهد معين حيث يجب في هذه الحالة تركيز المناقشة علي الجانب الشعوري الذي ستتم الاستفادة منه في المشهد .
وبالرغم من أهميتها الكبيرة , فإن كثيراً من خطط الإنتاج تتجاهل وضعها في الحسبان قبل بداية التصوير . وكثيراً ما يتم إلغاء البروفات أثناء التصوير , ويواجه المخرج في هذه الحالة مشاكل الأداء التي يجب عليه حلها , أحياناً في موقع التصوير نفسه . ولتفادي هذه المشكلات ,يجب أن توضع البروفات في جداول مرحلة ما قبل الإنتاج , علي أن تستغرق مدة كافية للوصول بالممثلين إلي المستوي المطلوب . وهي مدة تصل عادة لأسبوعين في الفيلم الطويل .
القراءة الجماعية :
أول خطوة في البروفات هي القراءة الأولي للسيناريو مع الممثلين المختارين . وفي هذه المرحلة يقوم الممثلون بالقراءة بدون توجيه من المخرج . والهدف من هذه القراءة الجماعية هو التعرف علي رؤية كل ممثل للشخصية واكتشاف إذا ما كانت هناك مشاكل في بعض المشاهد . كما أنه يساعد علي خلق حالة من الود بين الممثلين .
بعد هذه القراءة الأولي , تكون المناقشة الجماعية مفيدة للإطلاع علي تصورات كل ممثل حول السيناريو , والشخصيات . وكثيراً ما يلقي الممثلون الضوء خلال هذه المناقشات علي الشخصيات بطريقة غير متوقعة . وتساعد المناقشات بين الممثلين والمخرج علي التأكد من أن الجميع يفكر في اتجاه واحد .
بعد كل جلسة , يحاول المخرج تشجيع الممثل علي دراسة وتطوير دوره حتى يحين موعد الجلسة التالية . وعلي كل ممثل محاولة استكشاف الشخصية التي سوف يؤديها , وطبيعة صراعاتها الداخلية , ورغباتها . وإذا كانت هذه الخلفيات غير موجودة أو غير واضحة في السيناريو , فيجب أن يحاول الممثل خلقها لتساعده في وضع تصورات مناسبة للشخصية . في الجلسات التالية , يجب التركيز علي مشهد أو مشهدين رئيسيين في كل مرة .
يفضل التأكيد علي ألا يبدأ الممثل في حفظ الحوار قبل أن يتفهم الشخصية تماماً , حتى لا يتسبب الحفظ قبل التوقيت المناسب في تركيز الممثل علي الكلام دون الإحساس , لأنه سيصبح من الصعب تدارك أية أخطاء أو قصور في الأداء في المراحل التالية .
تحليل المشهد :
ليس من الضروري التدريب علي كل مشهد في السيناريو , ويمكن الاكتفاء كما سبق بالمشاهد الرئيسية فقط مع تكرار التدريب بتركيز أكبر , لأن ذلك يحتوي في الأغلب علي فرص أكبر للإبداع بالنسبة للممثل . ويقوم أغلب المخرجين بتحليل المشاهد التي يتم التدريب عليها لاستكشاف ما يلي :
1- الهدف : يجب أن يحاول المخرج من خلال مناقشاته مع الممثل الوصول إلي الهدف من المشهد ووظيفته في سياق السيناريو .
2- الصراع : يتم بناء المشاهد الرئيسية غالباً حول مناطق الصراع , ويعتمد شكل هذا الصراع علي ما يريده كل طرف من الآخر . وهو ما قد لا يبدو واضحاً في السيناريو من الوهلة لأولي .
3- ينقسم كل مشهد إلي عدد من المواقف الرئيسية, ويساعد تحديد هذه المواقف المخرج ,والممثل علي تقسيم المشهد إلي عدة نقاط. .
وتساعد هذه الطريقة في تحليل المشهد علي توجيه الممثل في الاتجاه الصحيح . لكنها تتيح له الحرية في نفس الوقت في وضع بصمته علي الشخصية . وفي الجلسات التالية يحاول المخرج مع الممثل رسم الملامح النهائية للشخصية .
يجب تنبيه الممثل إلي تجاهل ملحوظات الأداء المكتوبة في السيناريو , حيث يجب الالتفات إليها فقط إذا كان من الصعب استنتاج الأداء من النص ذاته .
يفضل التركيز في المراحل النهائية من البروفات علي المسائل الهامة فقط, مثل الخلافات في رؤية الشخصية ودوافعها . كما يجب عدم إملاء طريقة الأداء علي الممثل لتتاح له الفرصة كاملة للإبداع. وفيما يلي بعض الوسائل المساعدة علي تشكيل سلوك الشخصية وتطويره .
الاستفسار عن الشخصية : هناك طريقة مؤثرة لتوجيه الممثل, وهي السؤال دائماً عن دوافع الشخصية للقيام بفعل معين . وكلما كانت الأسئلة تدعو إلي التفكير, كلما كانت نتائج الحوار أفضل. وتتيح هذه الطريقة أيضاً أن ينظر كل طرف للشخصية من وجهة نظر الطرف الآخر, وهذا يحقق ثراءاً للشخصية لا يمكن أن يتحقق بفرض وجهة نظر أحد الطرفين ( المخرج والممثل ) .
الافتراض : إذا كان الأداء أقل من المتوقع , أو مختلفاً عما يريده المخرج , يمكن استخدام فكرة الافتراضية التي ناقشناها من قبل لتحفيز الممثل علي استخدام مخيلته بشكل أفضل .
الحوار الداخلي : يجب تنبيه الممثل إلي فكرة الحوار الداخلي الذي تقيمه الشخصية مع نفسها , علي أن يشغل نفسه دائماً بهذا الحوار أثناء البروفات بدلاً من أن يبقي مستمعاً سلبياً ينتظر دوره حتى يبدأ في التمثيل .
الارتجال : من المفيد في المراحل المبكرة من التدريب علي المشهد أن تترك مساحة من الارتجال داخل المشهد للممثل , لأن هذا يقرب الممثل من الشخصية ويحرر خياله ويساعده علي الفهم الصحيح لها .
تقطيع الحوار : يبدأ الممثل في المراحل الأخيرة من البروفات في حفظ الحوار والوقوف عند مقاطع معينة , وهو ما يسمي بتقطيع الحوار . لكن هذا التقطيع يخضع في النهاية في موقع التصوير للأسلوب الذي يقسم به المخرج المشهد إلي لقطات , ولعوامل أخري فنية وعملية , لذلك يجب أن يكون الممثل علي قدر من المرونة بهذا الخصوص لأن تغيير أسلوب تقطيع الحوار ربما يسبب مشاكل في الأداء . ويجب تنبيه الممثلين قليلي الخبرة لهذه النقطة , حتى لا يفاجئوا في موقع التصوير , ويفضل إجراء عدد من البروفات في موقع التصوير كلما أمكن .
وأخيراً يفضل كثير من المخرجين تصوير البروفات للاستعانة بها في تقييم الأداء لاحقاً , ولكن لا يفضل أن يقوم المخرج بمشاهدة هذه التسجيلات مع الممثلين قبل أن ينتهوا من عملهم , لأن الممثل عادة ما يكون من أشد المنتقدين لعمله , وربما يأتي هذا بنتائج عكسية
الرئيسية 