المساهمات : 183 تاريخ التسجيل : 25/11/2007 العمر : 58
موضوع: النائبة البرلمانية المحترمة أمي الأحد نوفمبر 25, 2007 6:58 am
أذكر في طفولتي عندما كنا نسكن بدرب بحي شعبي مكون من ثمانية منازل ، كنت أعتبرها كلها منزلنا وأبناء الجيران أخوة لي نلعب ،ندرس ونتصارع معا ،فتتكلف إحدى أمهات الدرب بمعاقبتنا جميعا دون استثناء ولا ترضى عنا إلا بعد أن نتصافح ثم تعطي لكل واحد منا ريال أبيض. وقتها كان التلفاز موجود في عدد قليل من المنازل وعندما دخل إلى منزلنا ، جمعنا أكتر بجيراننا ،فكانت نسوة الدرب يجتمعن لمشاهدة المسلسلات مثل سلسلة عازف الليل والملثم وغيرهما ، أما الرجال فيجتمعون لمشاهدة فيلم الهارب والمقابلات الرياضية، كنا نصرخ مثلهم عندما يسجل هدف ،ونضرب بقبضتنا على المائدة عندما يخطئ اللاعب المرمى ،أما نحن الأطفال فكانت احب البرامج إلى قلوبنا الرسوم المتحرك وسلسلة طرزان . يجتمع جميع الجيران نسوة ورجال وأطفال بمنزلنا أيام السبت، لمشاهدة سهرة الأسبوع التي كان يحييها الزاهيري ،الحمداوية، وقشبال وزروال ،vigon وغيرهم من الفنانين. كنت أرى النسوة يضحكن حتى يستلقين على ظهورهن عندما يظهر المرحوم بلقاس أو عبد الجبار لوزير ،أما الرجال فيذرفون الدموع من كثرة الضحك عند سماع عبد الرؤوف . قلوب الجميع كانت خالية من الحقد ، هدف آبائنا هو توفير الأكل والملبس لنا لا غير ،وكل شيء بالنسبة لهم سهلا لأن إيمانهم بالله قوي . أنجبونا تحت شعار : لي جا، تيجي برزقوا . قرار الأخ الأكبر دائما صائب لا يناقش ولا يعاد فيه النظر من طرف الأبوين في أي حال من الأحوال ،على الأقل أمام أنظار الأخ الأصغر، بتلك الطريقة استطاعوا أن يربوا الأعداد الهائلة من الأبناء . سكان مدينتي كانوا مثل سكان دربنا ،كلهم كالحمل الوديع ،أناس بسيطين يصدقون كل شيء ،فتراهم أوقات الانتخابات طوابير أمام مكاتب التصويت، يظنون أنه بدون بطاقة الناخب لن يستطيعوا الحصول على شهادة السكنى أو عقد الازدياد أو غيرهما من الوثائق، إلا أن هده الطوابير بدأت تقل تدريجيا ،إلى أن يأتي يوم يصبح مكتب التصويت مكتب متنقلا ، يدق شخص باب المنزل حاملا صندوق جفاف عفوا شفاف ،ويحيك بابتسامة عريضة قائلا . أخويا حنا مكتب التصويت ديال الحومة جبنا ليك الصندوق حتى لعندك، باش ترمي فيه ورقة من هاد الوراق الزوينين أش من لون تختار؟ . وعندما تعترض بابتسامة ساخرة تحمل عديد من المعاني،يضيف الشخص. شوف الله يرحم والديك إلى ما تصوت غير هاد المرة ،راه هاد الناس غادي يصابو ليكم الضو والواد الحار ويخدمو ليكم لوليدات ..... وعندما تقاطع كلامه بالرفض ، ستغرورق عيناه ويقول بلهجة يائسة . حرام عليكم واش حتى حد ما بغا يصوت راه غادي يوقع ليا شي مشكل الى رجعت بهاد الصندوق خاوي. لنعود إلى الماضي الجميل ،عندما وصلنا لسن التعليم،زرعت فينا فكرة أن المعلم هو الأب الثاني وخاصة عندما تسمع والدك يقول (الله يرحم والديك الأستاذ أنا ولدي بغيتو يقرا ،أنت دبح وأنا نسلخ) طريقة كلام والدي مع المعلم والتوسل إليه جعلتني أتفاجأ بأن سلطة أبي ليست هي السلطة العليا بل سلطة المعلم أقوى . كانت أحلى الأوقات عندما يأمرنا المعلم بمسح السبورة ،أو مراقبة التلاميذ في غيابه وتسجيل أسم التلميذ المشاغب خلف السبورة ،أو عندما يرسلنا لشراء مشروب خريف والخبز والسردين. ومرت السنة وانتقلنا إلى السنة الثانية ،لن أنسى ضحكة الاستهزاء التي رسمها والدي على وجهه عندما علم أن من سيقوم بتدريسنا معلمة وليس معلم ،فلم يهدأ له بال ولم يغمض له جفن حتى ثم انتقالي إلى فصل أخر يدرس به معلم. رحمك الله أبي لم تعش لترى المرأة تسوق القطار والطائرة والصاروخ ودخلت البرلمان . أحبذ فكرة دخول المرأة إلى البرلمان )على الأقل غادي تاكل شوية وتصاوب شوية( ورحم الله من نفع واستنفع، أما البرلماني )بوكرش هداك تايدير ميسا ) . أتمنى يوم من الأيام ، أن أفتح عيني وأجد قبة البرلمان كلها نساء من طينة أمهات دربنا . فنجد البرلمانية طامو ولا هنية ولا فاطنة وزوجة البوليسي كلهن أعضاء برلمانيات ،يلبسن تكيشطات باللونين الأخطر والأصفر،حزامهن جد عادي( ما كاين لا مضمة الذهب ولا والو المخيرة فيهن لا بسة فعنقها عقد فيه زوج اللويزات وتزين جبهتها الوشمة المعلومة) . ستكون أمي لا زينب هي رئيسة القبة البرلمانية لسببين : 1- طبعا لأنها أمي ولن أرضى لها بأقل من هدا المنصب. 2- ثانيا لأنها الوحيدة في الدرب التي حاربت الأمية بعد وفات والدي. . لن تكون هناك أحزاب متعددة بل حزب واحد ،أسمه حزب النية وشعاره ( دير النية ونعس مع الحية ) سنفتح التلفاز يوم الأربعاء وسنرى والدتي الرئيسة ،وهي جالسة على المنصة العالية، تقترب من مكبر الصوت. لا زينب : الكلمة الأن للبرلمانية المحترمة لا طامو. لا طامو : شكرا لا الرايسة ،أنا ما غاديش نكتر عليكم ،شوفو انا كلفوني بالضواو ديال الحومات والطرقان...هادو بزوج ضربوهم لراسي. لا زينب : شكرا النائبة المحترمة، الكلمة الان للنائبة لا هنية . لا هنية :حتى انا ما غاديش نكتر عليكم أنا فين ما كان شي قادوس، أش تايكولو الباباه بالعربية ؟ وحيت أن لا زينب قارية شوية ستجيبها. لا زينب : بغيتي تقولي الواد الحار؟ . لا هنية : أيه يعطيك الستر هو هداك ،كاع الواد الحار ديال الحومات انا غادي نهينكم منهوم . وستتكلم زوجة البوليسي دون ادن من أمي لأنها طبعا مرات بوليسي ولا تحتاج ترخيص للكلام ،سنسمعها تقول . مرات البوليس.انا غادي نتكلف بوليداتنا لي دايعين فالزناقي، ونديرو ليهم فين يعيشو، مساكن البرد والشتاء عليهم ويلي هادشي ما يبغيه لا الله ولا العبد. لا زينب : ئوا وليداتنا لي فالخارج شكون لي غادي يتكلف بيهم؟. لا طامو :حتى نقاديو مشاكلنا مع المواطنين ديال البلاد، عاد نشوفو لي على برا وزايدون هدوك ما كاينش علاش نخافو عليهم راهم محميين بجهد الله والوالدين، والبلاد فين هما كاينين موفرة ليهم كولشي. ثم سنرى لا فاطنة ترفع يدها الى الأعلى، وتنظر الى أمي الرئيسة . لا فاطنة : للا زينب نرفعو الجلسة ؟ الله يجعل شي بركة. لا زينب : أيه يأختي نرفعوها ونزلو شي صينية أتاي . لا هنية : حتى انا راه جبت معايا شي مسيمنات ستلتفت أمي الى الطاقم التلفزي الدي يسجل أطوار تلك الجلسة وتخاطبهم بحنان. لا زينب :خليو دوك القجاقل وزيدو أوليداتي تاكلوا معانا. وسنراهم يأكلن(ما قسم الله)،أمام أعيننا لن يحتجن للأكل في الخفاء . وأنا متأكد أنهن سيسيرن ميزانية البلاد بما يرضي الله ،وحتى ادا حولوا شيئا من الميزانية جانبا ،فليس لكي يحولوه على حسابهن بالخارج بل لاستعماله وقت اللزوم ولمصلحتنا طبعا (دواير الزمان). ودخل الهاتف منزلنا ،ووضع بأحسن غرفة ، كنت أرى أ أمي تمسحه ثلاثين مرة في اليوم ،أما عندما يعود أبي إلى البيت فهو الأخر يحمل السماعة ويضعها على أذنه للتأكد من وجود الحرارة ،حركة يقوم بها هو الأخر أكتر من ثلاثين مرة . كنا نجلس نحن الأطفال قربه وننتظر أن يرن وعندما نسأم الانتظار نركب أي رقم فنسمع صوت بالجانب الأخر يقول ألو ونجيب ببراءة الأطفال باك............ فسروالو. نضع السماعة بسرعة ،و نضحك بأعلى صوتنا . وأصبح منزلنا مكتب بريد ،فعندما يرن الهاتف نتسابق إليه وكان الأكبر سنا والأقوى هو الدي يصل إليه الأول . ألو لحظات من الصمت وخا ما تقطعش ثم يلتفت الأخ الكبير إلى أحدنا ويدفعه من ظهره ، سير قول للا شامة تجي تتكلم مع أختها مشهدان ألفناهما مع دخول الهاتف إلى البيت . 1- اما أن ترفع إحدى الجارة السماعة وتسمع ردها الله يكمل بخير ....امتى .......من دبا 15 يوم ....... وخا غدا غادي نجيو عندكم أنا وبوجمعة ونبقاو حتى يدوز الفرح انشاء الله وبسلامة هاد الساعة واما أن نسمع هدا الرد. الله أكبر... ....امتى ..... ثم تضع السماعة،وتنخرط في بكاء هستيري ،حتى أمي التي لم تكن لها علاقة بالمتوفى تبكي لمجردة أن صديقتها وجارتها تبكي ،ولا تسمع موسيقى في أي منزل من منازل الدرب لمدة شهر . في القديم كان يسكن مدينتي مجموعة من السكان البسطين ،الدين لن تمل الجلوس معهم ،لأن كلامهم نابع من القلب ويدخل مباشرة إلى القلب،حتى التاجر عندما يقسم بالله على أنه يبيع بضاعته بهذا الثمن ، لا أحد يستطيع مجادلته أما أن يأخذها أو ينصرف . بين الحين والأخر كان صراخ زوجة البوليسي من الضرب يعلو ويسمعه كل من في الدرب، ادا كان كل الأزواج غائبون هزها الما ما كاينش لي يفكها . أما ادا كان أحدهم حاضر فأنه يدخل إلى المنزل بدون استئذان ونسمع الحوار التالي. الجار الله يهديك سي عبد الله الى ما تنعل الشيطان . البوليسي الشيطان هو هاد المرا ،دبا الله يرحم والديك أسي لحسن الى ما عيط على مراتك تعاونها حتى تجمع عليا حوايجها ،وسير ديوها حتى لدارهم. (شوفو معا يا ،راه مخاصم معاها وتيقلب على لي يعاونها ويوصلها .نتابع الحوار ) الجار : فين غادي تمشي؟ دارها هي هادي الله يهديك . البوليسي : تمشي للجايحة لي تضربها وعندما يحس الجار أن الخصام سيتطور إلى أمور لا تحمد عقباها،ينطق بالكلمة السحرية. الجار : شوف والله حتى تسامحها. ويضغط بقوة على كلمة والله يهدأ البوليسي ويلتفت إلى الجهة الأخرى لتهدئة أعصابه. البوليسي : أعود بالله من الشيطان الرجيم . ثم يلتفت الجار إلى الزوجة الجار : وأنتي والله حتى تبوسي ليه راسو. مع الضغط بقوة مرة ثانية على كلمة والله تقبل الزوجة رأس البوليسي ، ولا يخرج الجار من المنزل إلا عندما يشعر أن الهدوء عم البيت فيأخذ الجار أطفال البوليسي معه وهو خارج ، ليتيح لهما خلوة شرعية. كلمة والله كانت تعني الكثير،كلمة مقدسة لا يجوز تجاوزها بأي حال من الأحوال. عندما كنا نعود من المدرسة ،نفاجأ بمنظر غريب على فهمنا، شاب وشابة واقفان في مكان عام ،منظر مع أنه عادي إلا أننا نعتبره غير أخلاقي، فتجدنا كلنا نصرخ بصوت واحد. (وطلق الدجاجة لماليها لا تبيض توحل فيها). كنا نشاهد الأفلام الفرنسية ،ونقوم بالترجمة لآبائنا وأمهاتنا أفلام تجسد الشرطي إنسان طاهر يمثل العدالة لا يخطأ ،ولا يرشى ولا يشق له غبار . وأصبح رجل الأمن له سلطة غير محدودة ،فكنا نقبل يدي جارنا البوليسي كلما خرج من منزله أو كان عائدا إليه ،ونحاول كسب ود أبناءه أما زوجته فأنها تعامل في الحمام معاملة خاصة من طرف جميع نساء الدرب خاصة والحومة عامة. (هاد قضية الحمام أنا ما شفتهاش غير عاودو ليا ). لكن تلك الصورة ستتغير وتحل معها صور أخرى وخاصة عندما تفجرت قضية العميد . كنت أرى والدي يتابع نشرة الأخبار بتركيز مبالغ فيه ،لا يجرأ أحد على إصدار أي صوت حتى تنتهي نشرة التاسعة ،بعد دلك لنا الحرية في التحدت كما نشاء. وأصبح الأعلام شيئا مقدسا بالنسبة لنا نصدق كل ما يقال ،حتى جاء عهد القنوات و بدأنا نرى أشياء كنا نجهلها ،وصعقنا بأخبار عن بلدنا لم تكن في علمنا . أما أمي ونساء الدرب فحافظن على قدسية نشرة الأخبار المغربية تلك العادة التي اكتسبوها من أزواجهن إلا أنها ستزول وسيفقد الأعلام المغربي مصداقيته بالنسبة لهن ، عندما أذاعت جميع قنوات العالم خبر وفاة ملك البلاد (وبقينا حنا فدار غفلون حتى بغاو على خاطرهم عاد بان لينا المذيع ، يبكي وينتحب ) . وغبت عن مدينتي لسنوات لأعود وأول ما صدمت به، أنني وجدت المنازل الثمانية مغلقة وهي التي كانت حتى الأمس القريب مفتوحة في وجوهنا في أي وقت من الأوقات . لم تبقى لا طامو ولا لا هنية بل أصبح يسكن في منازلهما أناس غرباء ليس على المدينة فحسب بل على البلاد ،أناس حولوا تلك المنازل إلى دور ضيافة ،وبدأ الأغراب يزاحموننا عند الجزار والبقال وحتى الخراز. وبدؤا يخططون لابعادنا عن (حومتنا) والعيش بعيدا عن المدينة ،وبدأنا نرى أحياء تخلق خارج أسوار ،أحدث قميص اشتريته سيكون أقدم بكثير من هذه الأحياء أصبحنا غرباء ونحن أبناء هذا البلد. كنت أحس برأسي يدور في جميع الاتجاهات عندما يدعوني أحد الأصدقاء لتناول العشاء بمنزله المتواجد بحي النهضة، يالله أين يوجد هدا الحي ومتى ولمادا أنشأ؟ وبدأنا نسمع بالهجرة ليس من حي إلى أخر ولكن شيء جديد أسمه الحريك إلى أين إلى بلد كان أبنائه يأتون إلى بلدنا بحتا عن العمل ،وقتها لم نكن نحتاج للدخول إليه لا إلى تأشيرة ولا هم يحزنون ،فما الدي وقع حتى أصبح دلك البلد من البلدان العظمى في وقت قياسي ، سيجيب واحد فاهم بزاف. ( وايلي هاديك راه دارت لاكوب دو موند ،ودخلات السوق الأوربية داكشي باش تقادات عندها الوقت ) ادن فنحن كدلك ادا نظمنا كأس العالم فسنصبح دولة عظمى. ولكن باللتي بعدا ،كيفاش غادي نظموا لكاس وحنا نهار جات عندنا نانسي عجرم لمراكش لأحياء حفل مدته 15 دقيقة ،أصبح النايض أكتر من الطايح ،ما شي بالغنى والرقص ولكن بالفوضى التي عمت البلاد. عندما خرجنا من مقر أعمالنا لم نستطع الذهاب إلى بيوتنا للراحة، لأن جميع الطرق كانت مغلقة. وغنات نانسي عجرم ومشات للفندق وخدات الشيك ديالها و تعشات ونعسات ، وحنا باقيين واقفين في مكاننا ،منا من ترك سيارته في مكانها وذهب على قدميه مسافة ستة كيلومترات باش يوصل لدارو . ايوا ،هادي غير نانسي عجرم ما فيها حتى نص كيلو ديال اللحم ودارت فينا هاد الحالة ،و إلى نظمنا كاس العالم أش غادي يوقع؟ . اظن أننا نستطيع فقط تنظيم كأس الأحياء ،والسوق اللي نقدروا ندخلو ليه هو سوق راسنا. المسألة ليست مسألة تنظيم كأس أو دخول سوق أوربية ولكن هناك أشياء تفوق دلك بكثير. وخير ما أختم به مقالي، ( لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).