انتقد بشدة بعض العليمين بخبايا الصناعة السينمائية في شمال أفريقيا تأثير السينما المصرية في نظيراتها في المنطقة
فالناقد والمخرج السينمائي التونسي فريد بوغدير يقول: "بالنسبة لنا في المغرب العربي، تمارس السينما المصرية نفس الدور الذي تمارسه هوليود على المخرجين السينمائيين المستقلين في نيويورك". وأضاف "من السهل إخراج الأفلام الغرائبية المثيرة الموجهة للغرب، لكن الاختبار الحقيقي بالنسبة لنا هو ما إذا كان الفيلم يحاكي الجمهور المحلي أم لا".
ويقول بوغدير إن المخرجين السينمائيين في المغرب العربي يمتازون بتحررهم من إملاءات الصناعة السينمائية. فهم يتمتعون بحرية إخراج أفلامهم بطريقة أكثر فردية ولا يهمهم الجانب الربحي بنفس القدر لأن قلة الدعم المالي من الاستوديوهات المنتجة تجبرهم على تحصيل ميزانية أفلامهم بأنفسهم.
وتطال صعوبة الإنتاج السينمائي الرجال والنساء على حد سواء. حيث تقول فريدة بليزيد، إحدى المخرجات المغربيات القليلات، إن غياب حالة الاحترام والدعم المالي المرتبطين بمهنة لا يعتقد في جدواها لدى العامة، لا يجعل العمل النسائي أكثر صعوبة من نظيره الرجالي
بالنسبة الى الجزائر فقد نمت السينما فيها خلال مرحلة النضال من أجل الاستقلال في الخمسينات والستينات. فنتج عن ذلك إفراط في تناول مواضيع الحرب في الأفلام الجزائرية على حد قول الناقدة هالة سلمان.
ولكن برزت أنواع أخرى من الأفلام في السبعينات بعد أن مل الجمهور من التركيز الشبه حصري على الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي التي، وعلى سبيل الذكر، جسّدها فيلم "معركة الجزائر" في أحسن صورة. فبدأت هذه الصناعة التي تتحكم فيها الدولة في معالجة مواضيع مثل التغرّب المدني، انعدام الكفاءة الناتج عن البيروقراطية، وتغير الدور النسائي في المجتمع خلال السبعينات.
أما السينما التونسية فقد نمت في إطار سلمي نسبياً. حيث برزت الصناعة السينمائية التونسية في العشرينات مع أعمال رائد السينما ألبير سمانة الشيخلي. وبحلول الثمانينات بدأت السينما التونسية تنافس جارتها الجزائرية في مدى اكتساب الاحترام والتأثير في العالم العربي وأوروبا.
فكان إنتاج الفيلم التونسي الجريء و الممتع "الحلفاوين" الذي أخرجه بوغدير في 1990 وتناول قصة استيقاظ الغريزة الجنسية لدى صبي تونسي. كما أنتج العديد من المخرجين السينمائيين الرجال منهم والنساء أعمالا يذكر منها "صمت القصور" للمخرجة مفيدة التلاتلي و "كسوة" لكلثوم بورناز.
وتعتبر تونس أيضا مركزا للسينما العالمية. فكل سنة يزور الآلاف مهرجان قرطاح السينمائي الذي ينظم منذ 39 عاما- وهو الأول من نوعه في بلد نامي. كما تزور ملايين إضافية من الناس تونس كل سنة لاستعراض المناظر الخلابة القروية منها أو المدنية التي يشاهدونها في الأفلام الغربية الضخمة.
فكل فيلم من سلسلة "حروب النجوم" يضم مشاهد صورت في تونس. و يعتقد مخرج السلسلة جورج لوكاس أن تونس تعد موقعا تصويريا ممتازا.
وكان قد صرح لوكاس لبعض الصحفيين التونسين منذ بضع سنوات: "أنا أعتبر تونس البلد الأمثل للتصوير السينمائي، ففيها المناظر الريفية الجميلة والفن المعماري الفريد ومستوى عالي من التطور التقني". كما تم تصوير "لصوص التابوت المفقود" و"المريض الأنكليزي" و"القراصنة" و"حياة برايان لمونتي بايثون" و"المسيح الناصري" و"سيدة فراشة" كلها في تونس.
وقد صرح مدير خدمات سي تي في الطيب جلولي أن بلاده تتمتع أيضا بالطقس المعتدل والاستقرار السياسي والاجتماعي. وأضاف أن فنيي الأفلام التونسيين قد تعلموا الكثير من المخرجين العظماء الذين تعاملوا معهم.
أما السينما المغربية فلا تنتج الأفلام بغزارة مثل نظيراتها الجزائرية أو التونسية نظرا لنقص الدعم المالي العام والخاص فضلا عن غياب الحماية من الأفلام الواردة من الخارج. حيث لم يتم انتاج سوى 132 فيلم في البلاد منذ 1974 إلى غاية 2004. بيد أن التطورات الأخيرة أظهرت أن هذه الصناعة بدأت تستفيد من منشآت الانتاج الجيدة في البلاد وتزايد أعداد دور السينما بالمقارنة مع بلدان المغرب العربي المجاورة.
كما زادت وزارة الاتصال المغربية دعمها المالي لصناعة الأفلام السينمائية من 30 مليون درهم إلى 100 مليون درهم عام 2001. حيث تم افتتاح استوديوهات "دينو دي لورانتس-سينسيتا" السينمائية في ورزازات. وتتم صياغة خطط أخرى على قدم وساق لتحسين حالة المنشآت الانتاجية في المدينة.
وتتميز الأفلام المغربية بـ "الحميمية والدقة التصويرية" على حد قول الناقدة الباريسية مريم روزن. حيث شكلت المرأة الموضوع الرئيسي لـ 64 في المائة من الافلام التي صورت من 1974 إلى 2004. بينما كانت المواضيع التاريخية أهم محور لـ 20 في المائة من الأفلام الباقية، و سبعة في المائة لكل من موضوعي الاحتلال والطفولة.
ويشعر جيل المخرجين المغاربيين الحالي أن المواضيع العالمية التي تتناولها أفلامهم يمكن أن تلقى أصداء جميلة في البلدان الأجنبية. فقد لوحظ تزايد عرض أفلام من المنطقة في الولايات المتحدة في مطلع عقد التسعينات ضمن مهرجانات مثل مهرجان الفيلم العربي ومهرجان السينما الجزائرية ومهرجان الأفلام في العاصمة واشنطن.
ويذكر الموزع السينمائي الفرنسي نيل هولاندر الفيلم الجزائري "وردة الصحراء" وهي قصة رجل معاق يحاول البحث عن الحب وعن موقع اجتماعي في قرية بواحة نائية، كدليل على أن الفيلم المغاربي سيحقق نجاحا أحسن في أوروبا منه في أمريكا.
ويضيف هولاندر يقول: "هنا في الولايات المتحدة الأمريكية، هدف الفيلم هو الترفيه لا التثقيف. أما في أوروبا...فالفيلم ما زال يحتفظ بوظيفته الثقافية والتربوية".
غير أن المخرجة المغربية بليزيد لا تتفق مع هولاندر. حيث قالت:
"الافلام المغربية تلقى في واقع الأمر إقبالا أكبر في الولايات المتحدة الأمريكية منه في أوروبا. فالأوروبيون يعتقدون أنهم يعرفون المجتمع الشمال أفريقي والاسلامي، ولذلك فهم يأتون حاملين لكل أنواع التحيز و الأفكار المسبقة بينما الأمريكيين هم أكثر انفتاحا و تقبلاً ".