موضوع: تعلم ألف باء السينما في يومين فقط الأحد فبراير 24, 2008 11:16 am
يقول دوف سيمنز أنه أفضل معلم سينمائي في العالم، إلا أنه يبدو كرقيب أول لا يعرف الرحمة ومسؤول عن تدريب فرقه عسكرية. يجمع دوف جميع صفات القائد الحقيقي من عزم وقوة وقدرة على القيادة، فضلا عن تشجيع طلابه ودفعهم من خلال تلقينهم الوسائل البسيطة التي تسمح لهم بالتقدم وسرده لسيرة حياة أشخاص لامعين سطع نجمهم في سماء الشهرة مثل كوينتين تارانتينو وغي ريتشي. بعد ذلك، وعلى غرار قنبلة موقوتة، يُلقي على جمهوره أخبار العالم المُعقد المليء بخيبات الأمل المُقنّعة بالنظريات الرومنسية للحياة الواقعية.
ويكشف سيمنز، خلال مؤتمره الذي يتمحور حول تعليم فنون المدرسة السينمائية في يومين فقط (الذي تعقده للمرة الثانية في دبي في آذار / مارس شركة أداجيو بروداكشيون)، أن الحديث عن أفلام تبلغ كلفة انتاجها ملايين الدولارات أمر فيه الكثير من المبالغة. ويتمّ تضخيم الميزانيات الحقيقية للأفلام بنسبة ستمئة بالمئة كجزء من خطة تسويقية فائقة الذكاء تهدف إلى إثارة حماس المستهلك ودفعه لرؤية فيلم أنتج بقدر هائل من الأموال. عندها، تبدأ رحلة إلى كواليس هوليوود حيث تتنحى القدرات الإبداعية لتفسح المجال لخطط المفاوضات المدروسة والقاسية. تقنيات صناعة الأفلام خلافاً للعديد من التوقعات، لا يبدأ سيمنز محاضراته بتعليم سبل كتابة السيناريو أو تقنيات التصوير، وإنما بتحديد الميزانية. يستعرض 38 فقرة تبدأ من شراء الفيلم وإستخدام الممثلين وتنتهي بتكاليف خدمات التلوين ومراحل التسجيل ما بعد الإنتاج. وفي كل فقرة، يتساوى الحديث عن المال والمفاوضات لدرجة يتلاشى فيها الغموض الذي يلف مجال صناعة الأفلام ويتحوّل إلى عملية حسابات صعبة وإتقان فن الإقناع. ويؤكد سيمنز لطلابه أنهم سينتجون فيلم قيمته مليون دولار أميركي، إلا أن قيمته الحقيقة لا تتعدى 300 ألف دولار. يتحدث سيمنز بدقة عن كافة جوانب الصناعة، ويبذل قصارى جهده للإجابة على كافة الأسئلة المطروحة، الا انه نادراً ما يتقبل المعارضة فتتراوح إجاباته ما بين ال "لا" أو ال"نعم". تقليص نفقات الإنتاج
يرفض سيمز بشدة فكرة قيام المخرج الذي يصنع فيلمه الأول بإدراج أغنية شهيرة أو دوي إنفجار أو حتى إستخدام نجوم هوليوود، داعياً الحاضرين إلى إستئجار الأفلام الأولى التي قام بها كبار المخرجين مثل سبيلبرغ وهوارد وكوبولا والتي كانت سيئة للغاية على ما يقول.
ويطلب سيمنز من المخرجين الشباب أن يجدوا أصدقاء لهم يتمتعون بالموهبة ليستلموا مهمة التسجيل الصوتي. ويُشير إلى أن بعض الأغاني مثل "سنة حلوة يا جميل " على سبيل المثال، المحفوظة حقوق نشرها، تكلف حوالي 200 ألف دولار للاستعمال الواحد.
علاوة على ذلك، أمضى سيمنز جزءاً كبيراً من الوقت يشرح كيفية قيام الإنتاجات الكبرى بتوفير المال عن طريق الإستفادة من المساعدات المالية التي تقدمها الحكومة وإختيار منطقة تساعد في تسديد تكاليف الفيلم لتوفير فرص العمل لأبنائها. مثلاً، يمكن لفانكوفر أن تؤدي دور سان فرانسيسكو ويُمكن تصوير حرب فيرجينيا الأهلية في ألبانيا. فيؤكد أن الأحلام لن تفيد صانع الأفلام الشاب الذي يجب أن يركز اهتماماته لتحقيق نجاحه الأول. ومن الضروري أن يعتمد الفيلم الأول الذي ينفذه المخرج بشكل أساسي على سيناريو قوي وليس على العناصر الأخرى. بعبارة أخرى، يجب التركيز على موقع واحد ومجموعة من الممثلين الذي يجب التعاقد مع بعضهم ليوم واحد فقط.
أما تقنية كتابة السيناريو فيختصرها دون بساعتين فقط، إذ يُشجع على القيام بالكتابة لفترة خمس دقائق يومياً مع التركيز قبل كل شيء على كتابة العنوان والموضوع وملخص القصة. وفي المرتبة الثانية، ينصح بكتابة تصميم موجز في ثلاث صفحات (أي بداية وحبكة وخاتمة). وأخيراً، يقترح عرض لائحة مؤلفة من أربعين أو ستين مشهداً تتطرق إلى أحداث الفيلم المتعددة من نزاعات وتسلسل الخطط المتعددة المعروفة بالقصة "أ" والقصة "ب". وخلال الأسبوع الثاني، يوصي سيمنز بكتابة مشهد واحد يومياً. ويلفت نظر الجميع إلى ضرورة إرسال النصوص إلى جمعية المؤلفين، ومركزها الولايات المتحدة الأميركية، لتسجيلها مقابل عشرين دولار أميركي، إذ أن كاتب السيناريو يتمكن، بهذه الطريقة، من حماية نصوصه من السرقة.
عمليات البيع والشراء
لا يُحبذ سيمنز كلمة صانع أفلام ويفضل إستعمال صفة منتج. ونظراً لإفتقار معظم الحضور إلى الخبرة، يشرح أهم ثماني مفردات في هوليوود التي تشكل الإجابة على السؤال التالي: "هل تعمل حالياً على إنتاج أي فيلم؟"، أما الجواب المثالي فهو: "أدرس مشاريع إنتاج متعددة". بعدها، تبرز القاعدتان الحقيقيتان للبيع عند التحدث إلى المستثمرين المحتملين وهما أولاً عدم الإفصاح عن القيمة التي يُفكر فيها المنتج (وهي نقطة سلبية عند التفاوض)، وثانياً عدم التطرق إلى موضوع المال. ويؤكد سيمنز لمستمعيه أنهم في حال عجزوا عن إجتذاب إهتمام المستثمرين ليخوضوا في الناحية المادية، فلا جدوى من التطرق حينها إلى هذا الموضوع.
ويصل سيمنز إلى الجزء المتعلق ببيع الفيلم مقترحاً البحث عن ثري يشعر بالضجر من وظيفته، كطبيب أسنان على سبيل المثال، يكون مستعداً للإستثمار في فيلم للحصول على الشهرة. ثم ينصح بإستئجار مسرح محلي عن طريق رشوة الحارس الليلي ودعوة المستثمر (أو المستثمرين) لحضور شريط قصير عن قدرات المنتج السينمائية. ويشدد سيمنز على أهمية تنظيم حفل عشاء يعود ريعه لإنتاج الفيلم تتم خلاله قراءة السيناريو. يجني المستثمرون نصف قيمة الأرباح، في حال تمّ تحقيق أرباح طبعاً. كما يوصي سيمنز بإستشارة محام لإجراء كافة الخطوات القانونية.
عندما يبدأ التصوير، يجب الترويج للفيلم من خلال الصحف الرائدة والمختصة في مجال صناعة الأفلام. ويشجع سيمنز على أن تكون التغطية الصحافية قائمة على جلسات التصوير (التي يبدو فيها المخرج وكأنه يشير إلى شيء ما، أي شيء) وحياكة قصة مثيرة حول حياة المخرج. ويضيف: "في حال لم تكن حياتك مثيرة للإهتمام، قم بإختلاق واحدة تفي بالغرض".
بعدها، ينتقل سيمنز لمناقشة مفصلة عن عملية التوزيع، مشيراً إلى أن إيرادات بيع بطاقات السينما تعود إلى أصحاب دور السينما (٥٠٪). كما يتحدث عن تغطية تكاليف الإنتاج، موضحاً أن الأرباح تتحقق فقط من التوزيع عبر الفيديو عند الطلب والفيديو الرقمي، وفي فترة لاحقة بفضل البيع للشبكات التلفزيونية المدفوعة خدمتها والقنوات التلفزيونية وخطوط الطيران.
ماذا عن الشرق الأوسط؟
يؤكد سيمنز أن صانعي الأفلام المحليين يملكون فرصاً ذهبية إذا التزموا بالميزانية المتبعة في الشرق الأوسط، ممّا يعني عدم إنفاق أكثر من 300 ألف دولار أميركي، خاصة وأن سعر بطاقة حضور الأفلام الشرق أوسطية في هوليوود أقل بثلاث مرات من بطاقات الأفلام المكسيكية.
وإذا أمكن، يوصي سيمنز بإستخدام شخصية مشهورة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه ليس على المشاهير أن يكونوا ممثلين بارعين. ويقترح هنا إمكانية التعاقد مع مغني لبناني، أو إحدى أفراد العائلة المالكة ممن يرغبون في التمثيل، مشيراً إلى أن تعاقداً شبيهاً يعتبر وسيلة تسويقية واعدة.
وينتقد سيمنز بشدة الأفلام التي تصور في دبي، مشيراً إلى أن هوليوود لا تهتم بالأبنية الضخمة، خصوصاً وأن الإستديو هو عبارة عن حظيرة، ويؤكد أن موزعي الأفلام الذين يحضرون مهرجان دبي الدولي للسينما لا يتمتعون بشهرة عالمية. ويشير سيمنز الى انه من المثير للإهتمام الحصول على معلومات حول شبكة التوزيع الإعلامي في الشرق الأوسط بالنظر إلى عدد القنوات التلفزيونية وكلفة شراء رخصة العمل وإنتشار القرصنة.
هل يستحق الأمر العناء؟
من المحال إختصار محاضرة سيمنز (التي تصل كلفتها إلى 900 دولار أميركي) بمقالة واحدة فقط. وبالكاد توفر صفحتان لمحة موجزة عن الموضوع، اذ ان مداخلته العميقة والفعالة تتمتع بالقدرة على تغطية جوانب القطاع كلها. ومن المؤكد أن سيمنز متعلق بتعاليمه ولكن ذلك لا يمنعه من الترويج لكتبه وشرائط الفيديو التي تحقق نسبة مبيع عالية.
حتما سيخرج القليل من أفراد الحضور المؤلفين من طلاب جديّين وأخرين متحمسين من المحاضرة بنظرة جديدة ومختلفة يلقونها على هوليوود والعاملين فيها. ولكن سيمنز أوضح بصراحة ومنذ البدء طريقته: هو لا يقوم بتلقين المهارة كما أنه ليس متيماً بالفنانين. وفي الواقع، سبق للعديد من المشاهير الذين تابعوا المحاضرات التي يُلقيها أن برهنوا عن قدراتهم مثل تارانتينو الذي، وفقاً لسيمنز، باع نصين قبل حضور صفه. وبالحديث عن المتخرجين القدامى الذين نجحوا، يصف سيمنز نفسه بالشخص الذي يحثهم على المثابرة والمضي قدماً، مضيفاً أنهم يدركون تماماً الأمور التي يقولها لهم.
لا ترتكز محاضرات سيمنز على تعليم الفنون السينمائية أو كتابة النصوص وإنما تتمحور حول تجميع كافة العناصر لإنتاج فيلم والقيام بترويجه وتوزيعه وتحقيق الأرباح منه. بإختصار، هو يرسم طرق البقاء والإستمرار في القطاع.