إلى هذا الحد بدا لي الأمر قابلا للعلاج، ولكن ذات يوم لم أفطن إلا وشاحنة راسية أمام باب المنزل، وقد امتلأت عن آخرها برحيل؛ فقد أخلت الريفية شقتها وجاءت بكل أثاثها، وهو كثيرٌ فعلا، لتحط به في بيتي حطا نهائيا. لزمني حمل عصا وتجنيد جماعة من الأصدقاء من باعة السجائر بالتقسيط والحلوى وأشياء تافهة أخرى عديدة لمنع الرحيل من الدخول إلى المنزل. لما يئست الريفية من نجاح هذه الغزوة المباركة الجديدة التي شنتها على بيتي، اختلت بي المنزل وانهالت علي بالشتائم:
- والله إنك لست رجلا! والله إنك لا تستحقني! لقد تحجرت قلوبكم جميعا [أيها الرجال]!
ثم انهملت عيناها بالدموع، وهددت هي الأخرى بالصعود إلى أعلى طابق في العمارة وإلقاء نفسها، لزمنا لتهدئتها وإقناعها بالانصراف تسخير حيل الدنيا، فانصرفت، ولكن ليس دون تهديد بالانتقام مني، لكن أيضا من نفسها:
- والله لأقتلن نفسي الليلة! والله لأنتحرن الليلة! ترقب أخباري هذا المساء في نشرة الأخبار المتلفزة...
ثم بعد ذلك (...) والله لأسكرن الليلة سكرة تاريخية، وأقضين الليلة مع أول طالب. من اليوم فصاعدا لن أشفق على ابن امرأة أو أرتبط به، من الآن فصاعدا سأصير عاهرة من الطراز الأول! والله لن أضع قدمي في منزلك مرة أخرى ولو أرسلت لي سكان الحي بكامله سعيا للصلح...
اشتبكت البنتان نعيمة والريفية في قبلة كانت من العمق والطول بحيث بدا ظاهريا أنها أنستهما وجودي وزوجتي الثانية، خمنتُ أن تتخلص نعيمة من بين ذراعي الريفية، وتنهض وتوسعها شتما، بل وتلقي بها في الأرض على نحو ما فعلت بي ليلة حاولتُ قطف زهرتها عنفا بعد أن ضبطتها تتلصص علي من ثقب باب غرفة النوم، ولكنها على العكس من ذلك تماما استجابت لمُقَبِّلتها، بل وراحت تلمس أجزاء جسدها الشهوية بهدوء مُلحّ أجلس الريفية فوق نار الرغبة؛ صارت تترنح لذة مثل قطة جائعة، في المقابل بدا واضحا أن نعيمة سحاقية خبيرة. لم أصدِّق عينيَّ، انحلَّ لغز مقاومتها العنيدة لمحاولاتي اليائسة لإغوائهاا، فجأة قامت البنتان إلى غرفة نعيمة. لم أصدق عيني، قمت أتلصص عليهما من ثقب الباب. واووو! يا للمشهد الرائع ! كأنني أشاهد مقطعا من فيلم «فريدا» Frida للممثلة المكسيكية اللبنانية الأصل سلمى حايك، حيث تعلب دور سحاقية: تحولت الريفية إلى شبه غصن يتهادي بين يدي نعيمة، تميلها المرأة الشوكولاتية البشرة يمينا وشمالا، تصعدها فوق الفراش، تعتليها، تمص حلمتيها، تجوب هضاب جسدها الجميل بلسانها. وعلى ماذا؟ على إيقاع موسيقى صانطانا، أغنية bella تحديدا التي تسمَعُ خلف أحد المشاهد الرائعة من فيلم Desperado لسلمى حايك (انظر الروابط المرفقة) وتترنح فيه الممثلة تحت جسد ذكوري. كانت نعيمة فنانة بحيث أبقت على أثاث الـ Desperado وموسيقاه، لكنها استبدلت لقطة العشق بين الجنسين المختلفين بلقطة العشق السحاقي الذي مثلته سلمى حايك في فيلم فريدا... ثم يا للعجب! كيف تثوي كل هذه الرقة في بنت ظللتُ لحد الآن أظنها من سُلالة الوحوش: الريفية!
لم تسعني الدنيا فرحة أمام تحول الريفية إلى سحاقية، لأمرين:
الأول: لكوني ضمنتُ أن الليلة ستمر بسلام، لأن الريفية بنقلها موضوع التثبيت fixation ورغبة التملك منِّي إلى نعيمة، لن تغار من انفرادي بزوجتي، بل وحتى من نومي معها في سرير واحد...
الثاني: لمصير الريفية نفسها التي بتحولها إلى سحاقية ستجد أخيرا، حسب ما أظن، مكانتها في مُجتمع لم تُهيئها ثقافتها الأصلية للاندماج فيه: فهي كانت تعيش انفصاما عميقا: عندما تخرج إلى الحانات والمراقص والملاهي وكبريات الفنادق لممارسة الدعارة، تتقمص دور العاهرة على نحو ما علمتها إياها ثقافتها الأم المشتركة بين العديد من المناطق المغاربية؛ تتقمص دور نفاية المجتمع الميؤوس منها، ولذلك تركز كل اهتمامها على الإيقاع بالآخرين ونهبهم وسرقتهم والكذب عليهم... ولكنها عندما تتقمص دور العاشقة، على نحو ما فعلت معي، أو دور العاملة، بشهادة ربة صالون الحلاقة، فإنها تتحول إلى قديسة، وتتصرف باستقامة تكاد تنعدم عند البنات العاديات..
تركتُ ثقب الباب وعدتُ لأختلي بزوجتي الثانية وفرائصي ترتعش خوفا مما قد تفاجئني به في هذه الليلة التي أتقنت الصدف حبكها ضدي...
امرأة من سلالة الشياطين
القسم الثاني والعشرون
بددَّت زوجتي الطليقة خوفي بتصرف اعتبرتُه ممعنا في السادية؛ فما أن جلستُ قبالتها حتى أخرجت سيجارا كوبيا من النوع الرفيع، ثم أشعلته، وراحت تدخنه بنشوة متبرجزة وهي تحتسي بين الفينة والأخرى كأس الخمرة الذي تولت بنفسها سكبه بحركات طقوسية لا يعرفها إلا أعتى السكيرين. انتبهتُ لأول مرة لما كانت ترتديه من حلي وملابس فهالتني علامات البذخ والثراء الذي تنطق به كل قطعة من قطع ثوبها وكل أداة من أدوات الزينة التي حرصت على عرضها بمنتهى العناية. احتقرتُ نفسي عندما تذكرتُ ما راج في ذهني قبل قليل لمَّا ظننتُ أنها ستقيم القيامة وهيأتُ نفسي لإلقاء وحي من الأعذار والأكاذيب؛ فالترجمة الواحدة والوحيدة لهيأتها ونبرة كلامها معي لا يمكن أن تكون أي شيء آخر سوى:
- حسنا فعلتَ عندما لم تف بوعدك في إرجاعي مجددا إلى بيت الزوجية! ضائعة كل الأيام التي قضيتها معك وراء تلك القضبان التي يسمونها الزواج!
سألتني عن أحوالي، بادلتها السؤال نفسه، ثم دار بيننا حديث تافه جرَّته جرّا نحو وقائع حياتها التي أعقبت افتراقنا والتي جعلتها ما هي عليه الآن؛ قالت إنها سافرت إلى إحدى دول الخليج، واشتغلت عاملة نظافة عند أسر عديدة، ثم في فنادق. هناك تعرفتْ على نعيمة التي كانت تشتغل بدورها خادمة في العديد من الأسر الراقية، قبل أن تفر نهائيا إلى المغرب في انتظار أن تحصل على تأشيرة سفر لإسبانيا وتعود إليها مجدَّدا؛ فهي كانت في الأصل تشتغل في إسبانيا، ومن سوء حظها أنها لدى تأهبها للعودة من سفر قصير إلى المغرب، بسبب مرض أمها، فوجئت بإقرار الحكومة الإسبانية التأشيرة على المغاربيين!
- حظ نعيمة أسود والله، قالت زوجتي؛ ففي إسبانيا تركت حوالي 5000 دولارا مما كان اجتمع لها من مال مُساحقة النساء. كانت تدوِّخُ النساء الإسبانيات تدويخا؛ يستحيل أن تشتهي جسد امرأة فلا تسوقها إلى الفراش. أكثر من ذلك، اصطادها أحد الإسبان مرة، فساقها إلى منزله، وقدمها لزوجته عارضا عليها أن تصير نعيمة خادمة بيتهم الجديدة، فقبلت الزوجة، وما مضى أسبوع حتى طردت الزوجة رب البيت، وارتبطت بنعيمة التي عرفت بذكائها ودهائها كيف توقظ في الزوجة الرغبة السحاقية التي كانت كامنة فيها منذ سنين، دون أن تعلم، فصار مجرد ذكر الرجال يثير في زوجة الإسباني (سابقا) القرف فأحرى أن تنام معهم. كاد الزوج أن يأكل رئتيه حنقا، فهدد، وبكى وشكى واشتكى وانكسر، ولما يئس حمل أبناءه الثلاثة وغادر المنزل، فلم يجد الجميع بدا من مباركة هذا الرباط المقدس، وصار الأب والأبناء يترددون مرة في الأسبوع على بيت العشيقتين اللتين كانتا مصرتين على الانتهاء بالاقتران بعقد زواج ولو وقفت في وجههما عقبات العالم أجمع...
بعد أن يئست نعيمة من السفر مجددا إلى إسبانيا، غيرت الوجهة مؤقتا؛ حصلت على عقد شغل في الخليج، فقررت أن تشتغل بضع سنوات هناك إلى أن تجمع لها مبلغ محترم من المال يتيح لها الحصول على تأشيرة سفر لإسبانيا باعتبارها سائحة، وهناك، ما أن تطأ قدماها أرض الإسبان حتى تختفي الاختفاء النهائي في بيت حبيبتها ماريا. فعلا، جمعت في السنتين الأولى والثانية مبالغ محترمة، من الشغل، لكن أيضا من السحاق حيث نالت شُهرَة خاصة هناك، في البلد الخليجي، وكانت الطلبات تتهاطل عليها تهاطلا من نساء بعض رجال الأعمال الذين يقضون معظم الأوقات في السفر مع حبيبات سريات في أوروبا ومصر وبلدان المغرب العربي، ولكنها كانت تبدد، خلال العطلة الصيفية، كل ما تجمعه في فنادق الرباط وملاهيه ومراقصه الليلية على البنات؛ تدخل إلى الحانة، وما أن تتناول ثلاثة كؤوس إلى أربعة حتى تستيقظ فيها شهوة السحاق، فتختار أجمل بنت وأصغرهن في المكان، ثم تدعوها للسكر، فتنفق عليها مبالغ طائلة في الشراب، إلى أن يبدو غبش الصبح، وآنذاك تسوقها إلى البيت، فتقضي معها الليلة مثلما يقضي الرجل الثري ليلته مع بنت صغيرة..
ولكنها في هذا الصيف عادت إلى المغرب عودة نهائية، مثل رجوعها من إسبانيا تماما، إذ تركت كل أموالها هناك؛ فقد اشتغلت في أسرة عديدة الأفراد، فلم تقو على الاستجابة لرغبات جميع إناثها في السحاق، فارتبطت سريا بسائق مصري كان هو الآخر قد ضاق ذرعا بطلبات ذكور البيت، فوقع الإثنين في حب سري شبه سوريالي، لا معنى له إطلاقا؛ كان السائق المصري لوطي مائة في المائة مثلما كانت نعيمة سحاقية مائة في المائة، وذات ليلة خططا معا للفرار، فلم يحملا سوى جوازي سفريهما ومبلغا من المال يتيح لهما الرجوع إلى البلاد، فغادرا المدينة ليلا إلى حدود بلد مجاور، ومن هناك استقلا شاحنة نقا بضائع أوصلتهما إلى عمان فاستقل المصري طائرة إلى مصر فيما استقلت نعيمة أخرى إلى الدار البيضاء لتعود العودة النهائية...
ثم، أضافت زوجتي السابقة، كان من لطف الأقدار أنَّ الريفية لانت ولم تعترض على مرافقة نعيمة إلى البيت؛ لأنه سبق لها أن لعبت مقلبا لنعيمة ذات ليلة، حيث كانت هذه قد صرفت مبلغا طائلا عليها، وكانت الريفية تعلم علم اليقين سبب سخاء جليستها؛ كان لمساحقتها وليس لأي شيء آخر، فهمَّت ذات لحظة بمغادرة المكان بذريعة أنها ذاهبة للمرحاض، وكانت تنوي إطلاق ساقيها للريح، فعلمت نعيمة بنواياها، فأمسكتها من ياقتها، ثم وجهت لها صفعتين قويتين، مثل صفعتي رَجُل، أرغمتاها على الجلوس، فجلست، وتظاهرت بالإذعان، ولم يكن في استطاعتها أن تفعل أي شيء غير ذلك، إذ ساند حُراس الحانة نعيمة كما ساندها كل الرواد الذين يعرفونها حق المعرفة:
- غير معقول إطلاقا ألا ترافقيها! فهي أنفقت عليك مبلغا محترما ليس صدقة ولكن لتنامي معها في الفراش الليلة، وليس لائقا ولا معقولا أن تضحكي على ذقنها!
قالوا ذلك، ثم تعاونوا وتعاضدوا؛ حملوا الريفية، بكل ما أوتوا من قوة وأجلسوها بجانب نعيمة... وذات لحظة استغفلت الريفية نعيمة بتواطؤ مع إحدى الساقيات، ففرت من إحدى نوافذ الحانة، وقفزت إلى الشارع ثم أطلقت ساقيها للريح.
عرفتُ من سياق الحديث أن أول ما قامت به نعيمة، بعد خروجها من بيتي، هو زيارة زوجتي الثانية، ثم ذهبتا معا إلى حانة بحثا عن رفيقة سمر أخرى، فشاءت الصدف أن تلقي نعيمة القبض على الريفية التي، أمام الأمر الواقع، لم تجد بدا من الاستسلام؛ لم تنبس ببنت شفة ولم يكن أمامها أي حل آخر سوى الإذعان لرغبة نعيمة في المبيت معها. ومن هناك كانت القبلة منزلي...
هالني ما سمعته عن نعيمة، ولكنني تظاهرتُ بأنني كنت على علم بقين بالحكاية، ثم اختلقتُ فذلكة بسرعة قياسية كنتُ سأزعم فيه لزوجتي بأنني مدين لمشغلة نعيمة بمبلغ 5000 دولار، وأنها أحضرت نعيمة للإقامة معي خصيصا لتشدبد الحراسة علي إلى حين تمكني من توفير الدين الذي علي، ثم تغادره. ولكن انشغالات زوجتي كانت أكبر من النزول لتفاهة استنطاقي حول علاقتي بنعيمة أو سيدتها؛ على نحو غير متوقع تماما، عانقتني، وقالت إنها رغم كل ما حققته من ثروات، فإن الحنين لا زال يعاودها إلى أيام كنا متزوجين. أكثر من ذلك، عبرت عن سعادتها القصوى بما فعلته الصدفة عندما ساقتها إلي الليلة:
- ليس من عادتي قضاء الليالي خارج منزلي أو فنادق المدينة وحاناتها وملاهيها الليلية، إنما هي تقلبات الأحوال لا غير؛ فهم يشنون الآن حملة على الفساد، بل وحتى على الإقامات السرية التي يفد إليها الخليجيون خصيصا لممارسة السياحة الجنسية، وهذا هو السبب في قبولي دعوة نعيمة الليلة! ولكنني لا أقوى على التعبير عن فرحتي وسعادتي بلقائك مرة أخرى!
قالت ذلك، ثم عانقتني فغرقنا في قبلة عميقة، لم أدر كم وقتا استغرقته، بعدها انتشلت فمها من فمي، ثم أبقت على مسافة بين جسدينا لتفتح حديثا دار كله حول علاقتنا الماضية منذُ أوقعتني في فخ افتضاضها كي أتزوجها قسرا إلى أن استحالَ استمرارُ العشرة بيننا وطلقلنا بعضنا بعضا. لو تأتى لشخص ثالث حضور ذلك الحديث الذي دار بيننا لما تردد في اعتبارنا طفلين. نعم، تجاذبنا أطراف الحديث مثل طفلين صغيرين؛ عاتبتها مرارا على بعض ما كان يصدر منها تجاهي أيام كنا متزوجين، وقلبت التهم علي بصوت فيه الكثير من الغنج والانكسار. وأكثر من ذلك، تجاوجنا تبادل العتاب إلى ارتياد أماكن للقول خارج كل القيود والأصفاد التي تغلل لسان الزَّوجين. أحسستُ لأول مرة، على مدار تاريخ علاقتي بها، بأن من حقي أن أقول ما شئتُ، بمنتهى الحرية، وأظن أن الإحساس نفسه هو ما كان يقف وراء ما كان من المستحيل أن تتفوه به لو كانت لازالت تحت ذمتي؛ أسرَّت لي بأنها خانتني مرارا أيام زواجها بي، كما اعترفتُ لها بأنني خنتها مرارا، جاولتُ أن أستل أسماء بعض ممن خانتني معهم، لكنها استعظمتْ أن تذكر ولو اسما واحدا؛ امتنعتْ امتنعاعا قاطعا عن ذكر أي اسم، وياليتها لم تفعل؛ فقد أبقى امتناعها امتنعاها باب الاحتمال مشرعا على مصراعيه، فقادتني الشكوك والظنون في تلك اللحظة الوجيزة إلى الارتياب في جميع الرجال الذين وطأت أقدامهم منزلي وقدمت لهم زوجتي (سابقا) هذه، بدءا من إخواني في الدم، مرورا بزملائي في العمل، وانتهاء بأصدقائي، وفي مقدمتهم ذاك الذي أخفى عندي الأشرطة البورنوغرافية بدعوى أن الشرطة تحاصر منزله وتتعقب جميع خطواته. طردتُ هذا الأفق من التفكير بسرعة لأن معرفة الحقيقة لن تغنيني ولن تسمنني من جوع؛ فالمرأة التي قد يفترضون أنهم دنسوا شرفي عبر جماعها طلقتها تطليقا، ثم هي صارت الآن عاهرة، وفوق ذلك كله أنا غلظتُ الأيمان بعدم الزواج مجددا... وأخيرا هي لم تحاول أبدا معرفة اسم أي امرأة من النساء اللواتي خنتها معهن.
لم تسعني الدنيا فرحة عندما، في نهاية النقاش، حملت زوجتي (سابقا) راية الاستستلام؛ اعتنقت فكرتي القائلة بأن زواجي وإياها، بالطريقة التي تم بها، كان ضربا من النصب والاحتيال الذي كنتُ ضحيته، ثم إنها تفهمَت خيانتي إياها مع خادمة المنزل وعدد من صديقاتها اللواتي قدمتهن لي إلى أن فرضت احترامها علي؛ تبدت امرأة ناضجة جنسيا نضجا لا علاقة له بالبنت المكبوتة التي كانت زوجتي؛ لأول مرة في تاريخ علاقتي بها فهمتْ معنى الاستيهام ودوره في إنجاح العلاقة بين الزوجين، أكثر من ذلك صرفت وقتا طويلا في تفسير ما كنت لا أوافيها إياه إلا بالتلميح، أيام كنت أطلب منها أن تلعب أدوار زوجتي وأختي وأمي وعاهرتي وصاحبتي وخليلتي، الخ.. فيما كانت تسمني بالحمق والخرف.
عندما نال مني التعب والإرهاق والسهر، كانت الساعة تشير إلى الثالثة صباحا. تهيأت للانصراف إلى غرفة النوم عازما على ترك زوجتي (سابقا) تنام في صالون السمر. والحق أن رغبة عارمة كانت قد اشتعلت فيَّ للسجود في محرابها مجددا، ولكنني استعظمت ذلك للفارق الذي ارتسم بيننا؛ فهي حدثتني طوال سمرنا بلكنة شرقية أبدتها مثل سيدة نزلت للتو من نجد أو الحجاز. ومثل هذا الصنف من النساء يلزم المرء، للسجود في محرابه، أن يملك ثروات طائلة وأنا مجرد معلم فقير. لا شك أن ذلك إنما تأتى لها من كثرة الساجدين اللذين أشرعت لهم محرابها طيلة المدة الفاصلة بين طلاقها والآن.
شيء واحد شغلني ومنع عني النوم؛ الريفية. ما حكته عنها زوجتي الأولى بدَّد فجأة اطمئناني السابق بخصوص الراحة التي ستكون قد جلبتها لنفسها وللرجال جراء تحولها إلى سحاقية. ها هو يتبدى أن استسلامها لنعمية قد لا يعدو مجرد مسرحية أتقنت أداء دورها لكونها وقعت في فخ نعيمة بما لا مجال للإفلات منه. من يدري؟ فربما يطير منها السكر صبيحة غد فتنقلب على نعيمة أو عليَّ نفسي فتحول المنزل إلى حلبة من العراك؟! لما تمكن النوم مني كنتُ قد ابتهلتُ إلى الله عشرات المرات بأن تنقل نعيمة عدوى السحاق للريفية على نحو ما ألصقتها بالعديد من الإسبانيات، وربما الخليجيات أيضا، فتهيم الريفية بها وتنذر قلبها لها.
امرأة من سلالة الشياطين
القسـم الثالث والعشرون
قضيتُ ليلة لذيذة في حضن زوجتي السابقة التي استعظمت أن ننام منفصلين؛ ففيما كنتُ غارقا في التفكير في أمر المرأتين السحاقيتين، انسلت من وسط الظلام يدٌ، في هدوء وحنان إلى جسدي، وها هي زوجتي تندس معي في الفراش. أخبرتها أنني لا أملك مالا لتسديد ثمن مبيتها معي، تجاهلت عذري وأطبقت علي بالعناق والقبلات إلى أن كان ما كان؛ اشتبك جسدانا، وفتحت لي محرابها بسخاء تجاوز سخاء ليلة اغتصبتني بعد مشاهدة الأشرطة البورنوغرافية. وطوال تأرجحي فوقها أحسستُ أنها كانت صادقة مثل قديسة. لعنتُ الحواجز التي وضعها الزواج بيننا سابقا إلى أن وضعنا على شفا هاوية لو لم يمدد لنا الطلاق طوق النجاة لعلم الله وحده إلى أين كانت ستمضي الأمور؛ فكم من زوج قتل زوجته وكم من زوجة قتلت زوجتها جراء التعذيب السادي الذي يسببه كلا الزوجين للآخر لتفريغ عقد لا يد لأي منهما فيها ولا حيلة.
استيقظنا على صوت خصام ولجاج بين نعيمة والريفية؛ فيما كانت الأولى تتكلم بصوت حرصت حرصا شديدا على أن يكون خفيضا كانت الثانية تمعنُ في رفع صوتها وكأنها تصر على إيصاله ليس إلي أنا وزجتي، بل وإلى الجيران أنفسهم على نحو ما فعلت تماما يوم طردتها برحيلها:
- اعطيني نقودي! والله لأخلقن فضيحة في هذا البيت إن لم توافيني مستحقاتي من النوم معك ! تبارك الله! هذا ما كان ينقصنا! فعلتِ بجسدي ما لم يفعله به رجل معي من مئات الرجال الذين نمتُ معهم؛ لم تتركيني أغمض عيني ولو ساعة واحدة، هجمتِ على حلمتي وفخذي وصدري ووجهي مثل سبع جائع، وتركتك تفعلين ما طاب لك، بل غالبتُ نفسي وبادلتك من القبل واللمس ما لم أفرحْ به رجلا في يوم من الأيام، ثم تجازيني بجيب فارغ؟! ولو ما أشتري به فنجان قهوة وأبلل به حلقي؟ ما هذا القانون؟ واعطيني فلوسي! اعطيني فلوسي!
والله إنها لبنتٌ مصيبة! كأن بها مسّ من المال! إذ ما أن وصلت إلى كلمة «فلوسي» في خطبتها الصباحية البتراء حتى أخذ صوتها نبرة هستيرية؛ جعلنا الصراخ نقفز من الفراش نحو البنتين المتعاركتين دون أن نفطن إلى أننا كنا عاريين تماما؛ خلصنا بمنتهى الصعوبة نعيمة من الريفية التي كانت قد شدت على ياقتها بكل ما أوتيت من قوة، كأنها صارت عشر نساء بدل واحدة !
لن أعرف إلى الأبد هل إثارة نعيمة الريفية كانت حقيقة، وأنها إنما تراجعت عنها خجلا مني ومن زوجتي الطليقة، أم أنه كان ضربا من التمثيل والإخراج المسرحي المُحكمين؛ فما مرت لحظة عن تخليصنا نعيمة من يدي الريفية حتى انفجرت الأولى ضاحكة، ثم اتجهت إلى حقيبتها اليدوية وأخرجت دزينة من الأوراق النقدية وسلمتها للريفية، ارتمت هذه على المبلغ، ثم أخذت تمسح عينيها من الدموع، فبدت مثل طفلة صغيرة حرمتْ من لعبتها المفضلة فملأت المنزل صراخا، ثم لما أعطيت ما كانت حُرمَت منه، انقلب بكاؤها فجأة إلى فرح منتشي تمتزج فيه الدموع بالابتسامات بل وحتى قهقهات الضحك.
بعد ذلك، عادت البنتان للاختفاء في غرفة نعيمة بحميمية منقطعة النظير، وانخرطتا في حديث ثنائي طويل تتخلله قبلٌ مسموعة ولمسات دون شك. استرقتُ وزوجتي السمع ، فإذا بالريفية تكرر على مسمع نعيمة الأسطوانة ذاتها التي كررتها على مسمعي طيلة الليلة الأولى التي قضتها معي: قالت إنها تريد أن ترتبط بالريفية مقابل أن تتكفل هذه بأداء ثمن كراء شقتها، وهو ما قبلته نعيمة فورا.