موضوع: السمفونية المغربية السبت مايو 10, 2008 8:20 am
من يريد أن يقتل الوحش يجب أن يحرص على ألا يصبح وحشًا. ذاك ما قاله نيتشه، وتلك إحدى نقاط التنوير في الفيلم.
(حميد) أحد شخصيات الفيلم، جندي مغربي شارك في حرب لبنان إبان الاجتياح الإسرائيلي. شاهد هناك القتل، عاشه واقترفه. في إحدى عمليات الاشتباك انفجرت قنبلة خطئًا قرب مخزن الذخيرة، فتطايرت الجثث واختلط العرب بالاسرائيليون. وحده حميد كان الناجي، وشخص آخر سيموت لاحقًا وحميد يقف عند رأسه حائرًا بالسؤال: هل هذا عربي أم إسرائيلي. سيتألم عند ذلك كثيرًا وسيدرك أن الحرب ألم متبادل. سيعود إلى المغرب معطوب حرب بيد واحدة، وقلب مهموم يبحث عن الغفران وسيمفونية ساحرة تنتظر الإنجاز.. سيمفونية ستعطي المتعة والأبدية ضدا على الزوال والموت.
تدور قصة الفيلم في مقبرة منسية للسيارات والقطارات. الشخصيات تقطن في مقصورات قديمة صدئة: راقصة في ملاه ليلية؛ ميكانيكي يحلم بدخول عالم الصحافة؛ أبكم مصاب بالصرع؛ أستاذ موسيقى في مدرسة ابتدائية؛ جندي حرب معطوب؛ نزيل سابق في السجن؛ فتاة فقدت والدتها… شخوص هامشيون مهمشون يحيون حياة قاسية. ما يجمع بينهم هو بؤسهم، وحبهم رغم ذلك للموسيقى. هؤلاء هم من سيقودهم أستاذ الموسيقى لأداء السيمفونية التي ألفها (حميد). الصعوبات كثيرة وغير منتهية؛ الأبواب التي ستطرق ستغلق دائمًا في وجوههم. سيغزوهم الإحباط أكثر من مرة، وكثيرًا ما سيسكنهم اليأس. لكن حميد يصر على أداء السيمفونية، فهو العائد من الحرب بخيبة أمل وإدراك بأن الحرب ليس الحل دائمًا، يريد إعادة التناغم للمأساة التي يحيونها، نحن السيمفونية.. نحن البشر. كذا يقول حميد. وينجح في التنفيذ، ويصفق الجمهور بحرارة للسيمفونية المذهلة، في حين يسلم هو روحه لبارئها خلق الكواليس بعد أن أحس بالارتياح وغمر الأمل نفوس أصدقائه.
مئة دقيقة هي مدة الفيلم، مئة دقيقة من المتعة والنشوة. ديكور خلاب، تصوير متميز، إخراج متقن، أداء بارع للممثلين، وحضور طاغ للموسيقى.
كمال كمال، مخرج الفيلم، درس الموسيقى قبل دراسته السينما، وهو مؤلف السيمفونية التي قدمت في نهاية الفيلم. في تلك الدقائق القليلة لعزف السيمفونية برهن كمال كمال أنه موسيقي فذ، كما برهن سابقًا في فيلم (طيف نزار) على مقدرته السينمائية. وهو في هذا الفيلم قام بالكتابة والمونتاج إلى جانب التأليف الموسيقي والإخراج. كثرة المهام هذه أثارت حفيظة البعض، لكن عمل بمثل هذه الروعة لا يمكن أن يقوم به إلا المؤلف الذي فكر في الفكرة أول مرة وأنجزها حرفًا حرفًا، ونوتة نوتة، ثم صورة صورة.
مستويات الإبداع في الفيلم متنوعة، فهناك اللغة، هناك الصورة، وهناك الموسيقى. استطاع كمال كمال أن يتحرر من القوالب التي حصرت فيها السنيما المغربية نفسها، وأبدع لنا خارج الحدود سيمفونية عزفت على التاريخ العربي، على السلم والتعايش، وعلى اليأس المغربي والمغربي المهمش. وعزفت كذلك على نبرة الأمل الذي يجب ألا نتخلى عنه: كل فرد قادر على الإبداع وعلى أن ينجز ما يريد.. عليه فقط ألا يتخلى عن أمله.