بينما كنت أتصفح موقعي المفضل ،مستمتعا بقراءة مقالات محمد زمران ،عبد الله الساورة ،مصطفي حيران ،هشام المنصوري ،عبد الواحد ستيتو .... الخ.
اخترق طبلة أدني صراخ طفل صغير -أبن الجيران- عادة ما كانت ضحكاته ،التي تشبه صوت الكروان،تتسلل وتدخل من نافذتي حاملة معها البهجة إلى قلبي ،هذه الليلة الأمر أختلف ،فقد اختفت تلك الضحكات وحل محلها بكاء ،عويل،دموع و توسلات لوالده الذي كان يضربه بقسوة مبالغ فيها.
آلمني ما سمعته ،لدلك قررت أن أخصص موضوع مقالي لهدا اليوم عن ضرب الأطفال.
من هذا المنبر أوجه ندائي :
إلى الأب الذي يرسم بحزامه ،على أجساد أطفاله الصغار،خطوطا حمراء لا يمحوها الزمن من ذاكرتهم ;ولا يحلوا له النوم إلا بعد أن يرى الدموع منهارة على خدودهم المتوردة .
وسيلته الوحيدة ، لإزالة ما ترسب في صدره من حقد ناتج عن أوامر رؤسائه التي لا تنتهي ، وإعلانه رفضه لغلاء الأسعار الناتج عن سوء تسيير الحكومي، هي ضرب أطفاله.
إلى الأم التي آلمتها إهانة زوجها أو حماتها ، ولم تجد أمامها من وسيلة )لتفش غلها( وتطفأ نار الغضب المتأججة في صدرها إلا في خصر ابنتها، تشبعه )قرصا( ،وخدها الصغير صفعا.
اتقوا الله في فلذات أكباد كما ولا تعملا بالمقولة الشعبية المغربية .
( ما قادش على الحمار وضرب البردعة).
فرغم انفتاح العالم وتقاربه حتى أصبح قرية صغيرة ،ومع أننا في بداية القرن 21 لازال تفكير بعض الأباء متحجر ومرتبط بسنين السبعينات من القرن الماضي ، مخلصين للسياسة التي ابتدعها أبو الفلاسفة سي البصري .
الوسيلة الوحيدة للتواصل مع أبنائهم هي الضرب، أما الإهانة فتلك لغة الحوار مع بناتهم ،كل دلك من أجل أن تنفذ قراراتهم بدون تردد أو تهاون ،وقد يصل العقاب في بعض الحالات إلى الكي بالـنار أو الحبس في مكان مظلم لليلة كاملة.
كم هائل من العقد ،يكون له أثر سلبي على مستقبله ،فيكبر حاقدا على والديه وعلى المجتمع ،وحتى على نفسه ، فأكثر الشبان المحبطين والفاقدين للثقة بالنفس ،والفاشلين في دراستهم أو أعمالهم تعرضوا للضرب في طفولتهم.
كلمة حوار، إقناع واقـتناع كلها مفردات ليس لها وجود في قاموس بعض أولياء الأمور ،الحوار الوحيد هو الصفع و شد الأذن بقوة،وأحسن طريقة للإقناع هي الركل على المؤخرة ،و الاقتناع يتم بعد رؤية الدم على جسد الصبي .
كيف ستتقدم البلاد وجل دعائمها وركائزها ،شباب يحملون معانات نفسية ومادية من أقرب الناس إليهم؟
علينا أن نتقبل الاستماع لحديث الطفل بابتسامة وبدون انزعاج مهما كان الموضوع بسيط من وحي عقله الصغير،وان لا نحبس الكلام في حلقه بالقمع والصراخ ،لأن دلك سيؤثر بشكل سلبي على تكوينه وشخصيته ،حتى إذا ما كبر أصبح الخجل و)التمتمة ( مصاحبين لكلامه، منبوذا من طرف الآخرين، مسالما ومتنازلا في أغلب الأحيان عن حقه لدرجة الخوف .
تقدم بلدنا وتطوره يجب أن يبدأ بإصلاح تربية فلذات أكبادنا،وإصلاح التربية يبدأ بإصلاح القدوة ، والقدوة هما الوالدان،يجب عليهما أن يزرعا في نفسه بأنهما الأقرب إليه و أكتر الناس اهتماما لمصلحته.
أستغرب لبعض الوالدين اللذان يطلبان من ابنهما أن يكون صادقا ، وهو يسمع الكذب يخرج من أفواههما أكتر من الشهيق والزفير ؟.
ويأمرانه أن يكون عادلا ورحيما وهو يرى أباه يضرب أمه ويشدها من شعرها أمام عيناه،مما يؤثر على نفسيته ويؤدي به للقيام بنفس الشيء مع أخته الصغرى.
كيف سينشأ هدا الطفل على الصلاة والعبادة وهو يرى أولياء أموره يقومان بالفواحش والكبائر بجميع أنواعهما ، السيجارة لا تفارق أنامل والده وربما حتى والدته ؟
يجب أن نضع في حسباننا أن أي شيء تعلمه الطفل بالضرب والشتم ،سيتخلص منه بمجرد وصوله إلى سن الرشد ،وأن كل ما تعلمه بالحب والإقناع سيحافظ عليه بشدة ويورثه لأبنائه من بعد.
وأن الفتاة الفاقدة للحنان والحب في البيت تكون لقمة سهلة في أفواه عديمي الضمير ،)أولئك الدين يعشقون لعبة عريس و عروسة(،يضعون مخالبهم على جسدها الطاهر ولا يهنأ لهم بال إلا بعد أن ينتزعوا منها أعز ما تملك، تاركين وراءهم بذرة من بذور الشر تسبح في رحمها الصغير.
أعرف مجموعة من الأطفال ،كان الضرب المبرح من طرف المعلم سببا في عز وفهم وكرههم للمدرسة ،وعندما حاولوا أن ينقدوا ما يمكن إنقاذه في سبيل بناء مستقبل يكفل لهم الاستغناء عن بسط اليد أمام الآخرين، لجئوا إلى إحدى الحرف واصطدموا بالعصا في انتظارهم مرة ثانية، وحملوهم أرباب هده المهن العذاب ،لم يراعوا أجسادهم النحيلة ولا أرجلهم القصيرة ولا أياديهم الناعمة وأقحموهم في أعمال شاقة تقسم الظهر .
مما أدى بهم إلى الهروب من جديد والبحت عن مكان تغيب فيه القسوة والتجريح ،فوجدوا الشارع لأجسادهم حاضنا و لجميع رغباتهم منفذا .
وهم الآن ولحد الساعة يدعون الله ،جهرا وسرا، أن تحل جميع مصائب الدنيا على من كان السبب في تشريدهم وهروبهم من التعليم،وخاصة عندما يشاهدون زملائهم وزميلاتهم الدين تابعوا دراستهم ، أصبحوا أعضاء نافعين ولهم مراتب عليا في المجتمع .
من المفروض على الوالدين توجيه النصائح لابنهما بحب وتسامح ،مع تجنب العنف بشتى أنواعه حتى اللفظي.
وفي الختام أتمنى أن تحذف من قاموسنا التربوي داخل البيت وخارجه كلمة الضرب والكي والصفع ،لأنهم جرائم في حق الطفل ،وذنوب مع الخالق،علينا أن لا ندفن حلمه ونصنع منه مجرما ذو كيان مخيف وعبأ ثقيل أو جبان مدمن للمخدرات ،قد ينتهي به الأمر إلى الانتحار ،الإجرام أو الانفجار.
انتظروا مني مقالات أخرى.