choukri
المساهمات : 23 تاريخ التسجيل : 11/07/2009
| موضوع: حوار السينما مع الأستاذ يوسف آيت همو، الواقع و التحديات... الأحد أغسطس 23, 2009 11:34 am | |
| حوار السينما مع الأستاذ يوسف آيت همو، الواقع و التحديات...في هذا الحوار كانت القضية المطروحة هي السينما، حملنا أسئلتها و طرحنا بعضا منها على الأستاذ يوسف آيت همو، وهو أستاذ جامعي باحث في قضايا السينما و التواصل البصري، من مواليد 1960 بمراكش، له عدة إصدارات في مجال السينما باللغة الفرنسية منها: قراءة الصورة السينماتوغرافية 1996، السمعي البصري و الطفرة 2001، المهن السينمائية 2002، معجم السينما 2002، الأستاذ يوسف هو أيضا مؤطر بالجامعة الشعبية و كذا مؤطر لأساتذة التعليم الأساسي و الثانوي في مجال استغلال الوثيقة السمعية البصرية في العملية التعليمية. ● من المعلوم أن الاشتغال بميدان ما لا يكون وليد الصدفة بل هناك خلفيات تدفع بالشخص إلى هذا الميدان أو ذاك، كيف تكونت علاقتك بالسينما؟
■ إن علاقة المرء بالسينما رهينة بشروط ذاتية و موضوعية متنوعة ومعقدة، فأول هذه الشروط عشق الصورة و السينما كأداة فنية تسمو بالفرد إلى الفضاءات العليا للروح. فأفلام كودار و ساجياتار و ريني و آخرون... تدفع بكل واحد إلى حب الصورة و جمالية الفن السينمائي. و ثاني هذه الشروط هي الاستطلاع واكتشاف فضاءات أخرى و عادات و تقاليد و أزمنة أخرى و قيم مختلفة عن الذات، ذلك أن معرفة الذات تمر حتما عبر معرفة الذوات الأخرى. و السينما كفن سابع يسمح بإشباع هذه الرغبة في معرفة الذات، أصلها، تاريخها، ومستقبلها من خلال الحوار مع الآخر. و الشرط الثالث هو دور المؤسسة التربوية، حيث كنا أنا و مجموعة من الأصدقاء نستمتع رفقة أساتذتنا الفرنسيين بالسينما.حينها كانت لذة مناقشة الأفلام و الغوص في أعماقها الفنية و الثقافية و الإيديولوجية قصد سحب بعض من صدفاتها الفريدة و الخفية. كانت آنذاك الثقافة السينمائية وسيلة لكبح و إخماد نار الالتهام المفرط للصورة، أو إن صح القول كانت الثقافة السينمائية كمرشد يوجه حب السينما إلى السينما الجيدة و الفنية و الابتعاد عن الرداءة و السخافة و السينما الشبيهة بالأكل الجازة، و لابد أن اعترف اليوم انه بفضل أساتذتنا كانت الثقافة السينمائية وسيلة لتفادي الانحراف و طيشان الشباب.
● ماذا تعني السينما بالنسبة إليك؟
■ يمكنني هنا إذا سمحت تحديد مفهوم السينما من خلال وظائفها الاجتماعية و الإنسانية الحضارية. إن السينما بالنسبة لي مثلها مثل ساحة جامع الفنا فكلاهما جامع للفنون ومجال لتعبير حر و فرصة للصراخ بما يؤلم المجتمع، و فضاء للتربية على ثقافة التعدد و الاختلاف. و السينما هي جامعة الفنون السمعية البصرية والحكائية و هي ظاهرة شابة و فتية عمرها يتجاوز القرن ببضع سنين، و أرى بأن الوظائف التي يجب التذكير بها في كل محفل و مناسبة هي بالأساس: ◄ السمو بالفرد إلى فضاءات سامية من الفن و الحب و السلم و التعايش و النبل. ◄ التنمية الاجتماعية و التوعية الثقافية، فالسينما الجادة تربي الأجيال على الأخلاق النبيلة و المواطنة، و على حب التطوع في الأعمال الاجتماعية، و نكران الذات من اجل إصلاح المجتمع و الرقي إلى أعلى المستويات. لا خير في سينما لا تهذب الذوق و لا تغني الذات بما هو سام. ◄ السينما أيضا هي للشجب و التنديد بكل عيوب المجتمع، و هي كذلك وسيلة لمواجهة الغزو الثقافي الذي نعيشه اليوم، و الفوضى الإعلامية التي أفقدت البشر معنى القيم الإنسانية، و أفرغت الإنسان من محتواه الإنساني. ◄ كما أن السينما هي وسيلة للتقارب بين الشعوب و الحضارات، بشرط احترام الاختلاف و التنوع، و هي فرصة لتوفير الشغل لفئة من شبابنا الطموح. و أخيرا و هو المهم السينما أفضل وسيلة اليوم لإعادة الاعتبار للموروث الثقافي الأصيل و فرصة للتصالح مع الذات. السينما عندي أشبه بشجرة الزيتون تربط الفرد بجذوره المتعددة و الأصيلة و تسمح له أوراقها و أغصانها باكتشاف الأخر.
● حدثنا عن أهم مراحل السينما المغربية؟
■ يجب هنا أن أشير إلى انه من الصعوبة بما كان التأريخ للسينما بالمغرب لعدة اعتبارات أهمها، غياب المادة السينمائية نفسها، بحيث لا يزال أرشيف السينما المغربية مشتتا، و كذلك صعوبة الفصل بين الحقب السينمائية في المغرب فكل تأريخ يحمل وجهة نظر و موقف. و يجب الانتباه هنا إلى إن التأريخ السينمائي لا ينحصر في سرد كرونولوجيا الأفلام، بل يشمل الظاهرة السينمائية بصفة عامة، و عموما من منظوري يمكن تقسيم تاريخ السينما المغربة إلى خمس مراحل أهمها: أولا: مرحلة الانبهار بتكنولوجيا جديدة ودخيلة وتمتد من 1896 إلى 1930، لكن التعامل مع السينما في هذه المرحلة ظل متحفظا حيث لم يع المجتمع المغربي الدور الذي يمكن أن تلعبه السينما لمقاومة المستعمر، على خلاف الهند و مصر مثلا. ثانيا: مرحلة الثلاثينيات و هي مرحلة الفضول و التعايش مع السينما في هذه المرحلة بدأ المجتمع يكتشف ميكانيزمات السينما؛ من خلال ما يعرف بالسينما الكولونيالية. المرحلة الثالثة: تبتدئ من الخمسينيات إلى نهاية الستينيات و فيها تم اكتساب الأداة السينمائية، ساهم في ذلك وجود بنية تحتية مهمة)قاعات العرض) وحتى بعض أفراد المجتمع امتلكوا آلات العرض السينمائي. المرحلة الرابعة: يؤرخ لها فيلم وشمة الذي عرض سنة 1970 هذه المرحلة تميزت بالحديث عن الذات إلى درجة الجلد، و هي تعد مرحلة تحول في تاريخ السينما المغربية. و المرحلة الخامسة: تبتدئ من أواخر الثمانينيات إلى الآن، ظهرت فيها أفلام تتجاوب مع المجتمع و فيها نوع من المشاكسة عكس ما كان سائدا في الماضي و هذه المرحلة أيضا تتميز بغزارة في الإنتاج، لكن على الرغم من كل هذه التحولات السينما لا تزال لغة أجنبية بالنسبة للمخرج و المتفرج على حد سواء، حيث لم ترقى للتعبير عن وجهة نظرة لها خصوصية مغربية. إذن السينما لم تعكس بعض صورة المجتمع بشكل واضح؛ و السينما أيضا لا تزال في حيز الهامش مرتبطة في أدهان بعض المثقفين و العامة بأنها مجرد أداة للتسلية. كما أن جهود الدولة للنهوض بقطاع السينما تبقى محتشمة.
● إن ما ذكرتموه الآن يجرني إلى طرح تساؤل ربما يكون فيه مزيد من التوضيح؛ ما هي سمات الفيلم المغربي؟
■ الإشكال المطروح هنا لتحديد سمات الفيلم المغربي هو ندرة الدراسات المعمقة حول مضامين و جماليات الأفلام المغربية و أقول الأفلام بصيغة الجمع لان لكل مخرج تجربته، و مدرسته، لكن هذا لا يمنع من إعطاء فرضيات خاصة من منظوري عن الفيلم المغربي. أولا: هيمنة أفلام المؤلف على السينما الجماهيرية حيث اغلب الأفلام تطرح قضايا فنية خاصة بالثقافة العالمة، و اغلب الأفلام تعبر عن هموم المؤلف و المخرج؛ فهذه الأفلام لا تتوجه للجمهور العريض بقدر ما هي موجهة للنخبة المثقفة. ثانيا: هناك هيمنة النوع الفيلمي الاجتماعي، وتغييب مجموعة من الأنواع: مثل أفلام الخيال العلمي، الأفلام الوثائقية، أفلام المغامرة، الأفلام السياسية و كذا أفلام الكرتون... زد على ذلك وهذا هو المهم غياب أفلام حول الأدباء و المثقفين الكبار في تاريخ المغرب. ثالثا: على المستوى التقني غياب الجرأة في التصوير، خاصة حركات الكاميرا، و المونتاج، حيث إن مجموعة من الأفلام توحي بأنها صور ثابتة، في غياب الحركة و الإيقاع التي يجب أن يتسم بها العمل الفني. رابعا و أخيرا: هيمنة الكوميديا اللغوية، و تغييب الكوميديا البصرية. كما أن الفيلم المغربي لا يبحث في الخاص من خلال عرض الذات عما هو عام؛ بمعنى انه لا يرقى للقضايا العالمية المشتركة، بل يظل متقوقعا على نفسه.
● يلاحظ في الآونة الأخيرة أن السينما المغربية تعرف انتعاشة على مستوى الكم و بشكل نسبي على مستو الكيف؛ ما هي العوامل المساهمة في هذه الانتعاشة؟
■ بالفعل السينما المغربية في الآونة الأخيرة تشهد انتعاشا و تطورا من حيث الكم و الكيف عكس ما كان عليه الأمر في الماضي، ويمكن إرجاع ذلك إلى عدة أسباب نجيزها كما يلي: هناك الدعم الممنوح من طرف الدولة عبر المركز السينمائي المغربي، و كذا جلب موارد عبر تجربة الإنتاج المشترك خاصة مع فرنسا، و أيضا رغبة الجمهور في مشاهدة صورة الذات في الأفلام المغربية؛ حيث بدأ يعرف طريقه إلى دور العرض لمتابعة تلك الأفلام. و كذا عودة مخرجين درسوا و تكونوا في الغرب محملين بأفكار جديدة كنبيل عيوش، و الغزولي و غيرهم... و من الأشياء التي ساهمت في تطور السينما ببلادنا وجود مهرجانات وطنية تعنى بالفيلم المغربي و كذا نجاح هذا الأخير في المهرجانات داخليا و خارجيا. بالنسبة لي على الرغم من هذه الانتعاشة و التطور لابد من مضاعفة الجهود للرقي بالسينما المغربية.
● هناك انتقادات توجه للسينما المغربية؛ حيث يلاحظ انه في موسم واحد يمكن أن تعرض أفلام تتطرق لنفس الموضوع (الهجرة، المرأة، سنوات الرصاص...) إذا كان هذا الطرح صحيحا فالسؤال الملح هنا لماذا هذه النمطية في التطرق للموضوعات؟
■ القول بأن هناك نمطية في طرح مضامين السينما المغربية قول لا أساس له من الصحة، فهو وهم ناتج عن قلة الأفلام و قلة عرضها بالقاعات السينمائية لمحلية، و إذا افترضنا بان هذه الفكرة صحيحة أي أن هناك موضة في اختيار المواضيع و المحتويات، يمكن الجزم بأنه نظرا لخصوصيات كل مخرج ونظرا لشروط إنتاج الأفلام؛ هناك اختلاف في معالجة هذه المضامين، فكل مخرج يتعامل مع نفس الموضوع من خلال أحاسيسه الخاصة، ومن خلال تجاربه و معاناته و تاريخه الخاص و مواقفه السياسية و الأيديولوجية، الجيلالي فرحاتي في (الذاكرة المعتقلة) يختلف تماما عن حسن بن جلون في( درب مولاي الشريف) و عن سعد الشرايبي في (جوهرة)؛ ولا شك بان هناك حالات تشعر فيها بان المنتج يكون وراء اختيار المضمون، و هذا ما يلاحظ في(السفر الكبير) للفروخي إسماعيل و(تينجا) للغزولي حسن، اللذان يطرحان في هذا الفيلمين رحلة الابن و الأب إلى البلد الأصل و هما فيلمان منجزان في إطار الإنتاج المشترك مع فرنسا.
● من المعلوم أن تسويق الفيلم المغربي يتم في أوربا بشكل عام و فرنسا بشكل خاص، فلماذا هذا التوجه إلى الغرب و ليس إلى الشرق(العربي) اللذي نتقاسم معه نفس القيم الحضارية و الموروث الثقافي؟
■ لا اعتقد أن السينما المغربية تتجه حصرا نحو الشمال، بل هي منفتحة على كل الأقطار دون قيد أو شرط، لكن يلاحظ أن هناك بعض المضايقات التي يعيشها الفيلم المغربي في بعض الدول الشرقية لأسباب تجارية و ثقافية، إن الحضور الكمي و الكيفي للأفلام المغربية يجعلها تواجه حملات ممنهجة تسعى إلى حصرها على مستوى المهرجانات.
● في ظل العولمة، و في خضم هذا الغزو الثقافي و الإعلامي الذي يشهده المجتمع الإسلامي بصفة عامة و المجتمع العربي بصفة خاصة؛ ما هي السينما التي نحن بحاجة إليها؟
■ من المعلوم أن العولمة تشكل خطرا على الشعوب التي فقدت هويتها أو لم تستطع ترجمت هذه الهوية إلى لغة العصر: لغة الصورة و الصوت و الكتابة. العولمة تهدد الثقافات الشفهية و المجتمعات التي لا تعترف بالتعدد الثقافي الداخلي و ترفض دمقرطة المعرفة. اعتقد بأن العولمة فرصة لاستهلاك الثقافات الأجنبية ولإبراز خصوصيات الثقافة المغربية. إن العولمة تهدد المجتمعات التي بها شرخ كبير بين الثقافة العالمة و الثقافة الشعبية، و التي تحتكر نخبها وسائل الإنتاج و الاستهلاك الثقافي و التي يتراجع فيها دور المثقف كفاعل بروميتي. إذن نحن بحاجة إلى سينما تتمسك بالجذور الثقافية مع الانفتاح على الأخر، نحن بحاجة إلى سينما لا تقصي أي عنصر من عناصر المجتمع، نحن في حاجة إلى سينما من نوع رحلات ابن بطوطة أو كريستوف كولومبو، السينما تسمح باكتشاف العالم و بدمقرطة المعرفة و بالتنديد بكل عيوب المجتمع دون مجاملة، أي أننا في حاجة حقا إلى سينما مواطنة و مؤثرة في المجتمع و ذات بعد كوني.
● في نهاية هذا الحوار اترك لكم كلمة ختامية:
■ اعتقد بان الوضع الراهن يؤكد لنا أن تشجيع السينما ليس من باب الترف الاجتماعي والموضة المرحلية بل هو ضرورة تاريخية و حضارية، تسمح للتنمية الاجتماعية التنشيط الثقافي و بمواجهة الفوضى الإعلامية و ما يعاني منه المغرب اليوم هو الأمية البصرية التي تربط السينما بالترفيه و التسلية السطحية و الاستهلاك البليد، و تغيب البعد الثقافي و الفني للإبداعات السينمائية. و هذه الأمية تكرس عبر مجموعة من الأفلام الرخيصة التي لا تهدف إلا إلى الربح المادي، و لتفادي هذا كله وجب التركيز على جميع أنواع السينما: سينما المؤلف سينما الجمهور العريض و الشعبي، السينما الأمازيغية و السينما الإفريقية. لكن الشرط الوحيد هو القدرة على اغناء التراث الإنساني بوجهة نظر مغربية و محاولة إبراز الذات المغربية للعالم عبر الصورة والصوت، و من رأيي لن يتم هذا إلا إذا ما استطاع المغرب أن يخلق تجاوبا مثمرا بين السينما والتعليم بكل مستوياته، و لا بد من خلق العديد من المعاهد و المدارس السينمائية، و أيضا الإكثار من الندية السينمائية المدرسية. لقد ساهم التعليم في تطوير السينما بأمريكا و فرنسا و ألمانيا و اليابان و مصر، كما ان التعليم استفاد من التقنيات و الانتاجات السينمائية، إننا في حاجة إلى برنامج وطني مستمر يسمح بخلق جيل يفقه أبجديات السينما و قادر على تفعيل هذا المجال الحيوي، و لاشك أن تعليم السينما يمكن أن يقوم سلوكيات أفراد المجتمع الناشئ و يقيه من سلوكيات شاذة قد تكون دخيلة، و بالموازاة مع تعليم السينما نحن بحاجة إلى تطوير بحثنا العلمي و نقدنا السينمائي ذلك أن التنظيم الأكاديمي و التحليل الفيلمي سيسهمان فعلا في تحديد التوجهات الثقافية العامة التي نريدها للسينما المغربية، دون أن نغفل الاستفادة من التجارب السينمائية العالمية. إن الجودة و الكم في مجال السينما رهينتين بالتعليم و البحث العلمي و تربية الجمهور.
حاوره: رشيد شكري | |
|