عندما نلقى نظرة متفحصة على مستوى الأنتاج السينمائى العربى قياسا الى ماينتج فى العالم، يتضح الفرق جليا فى طرق أستخدام التكنيك والتقنية والمهارة التى صارت تلعب دورا هاما فى تشكلات المقطع ، التركيب، المونتاج لأبراز قدرة الفلم على تكوين وحدات ترابطية تهىء حيثيات للمعنى أن يولد أو ينتج شبكة من العلاقات داخل نظام وقواعد الصورة (المدلول )، هذه الصورة تتشكل شروطها من وجود المعنى فى سياق التعبير النصى (الدال)، وبهذا الترابط المفهومى يمكن أن نميز من خلال النسق المعنى الظاهر من المعنى الكامن فى مستوى الشريط / الخطاب.
أن المحافظة على نمط الصورة – الفوتغرافية – بمحاولة نسخ النص (بعد غياب الرؤية الأخراجية) على الشاشة كما نراه فى واقع الحال للفلم العربى يؤدى بالتالى الى أهتزاز موقعىالأفتراض والتصور عن تلبية دورالأنعكاس أ و الرصد عند التلقى / المشاهد نتيجة تشابه نسق الوحدات تحت ضغط مساحة النمطية والتكرار – المشاهد، اللوحات، اللقطة، الزاوية – وهذا مايعتبره الناقد السينمائى – فريد سمير -: البعد الذى يجسد بطريقة ما مشاغلة الذاكرة بين الواقعى والمتخيل الذى تفتقر لأدائه السينما العربية.
كان الأعتقاد السائد ينحصر بالأدب (الدال) وحده بالمسؤولية عن مكونات الصورة السينمائية (المدلول) وأعتبار أن المتن الحكائى هو المرتكز الأساسى لبنى الشريط/الخطاب فنيا وآليا على حد سواء.
هذا المفهوم صعد من إشكالية الفلم العربى وخصوصا أمام حضوره فى المحافل الدولية والمهرجانات الفنية المتخصصة بحداثية السينما كصناعة قائمة على مهارة التكنيك وفن الصورة.
فالمد التناسخى الذى أفتقد الى–الرؤية الأخراجية–جعل من الفلم/بنى الشريط، ثيمات منغلقة على مسار ثابت من الأداء، بدليل ما أن يتم الأنتقال من وحدة زمنية الى أ خرى، لانشعر أزاء هذا الأنتقال بالمعنى الظاهر أو الباطن الذى يمكن أن يحدث فى عملية التقطيع/المونتاج لمشاغلة الذهن، فأن هذا الأنتقال يتم عن طريق الأمساك منذ البدأ بضم الثيمات بعضها البعض لأنتاج المحتوى النصى/الفلم (بوصفها قائمة على منطق التوافق والأقناع).
ولذا لم يكن لهذا الأنتقال أى جدوى لمقترحنا فى التوقع، أو لأى أفتراض يمكن أن يتبلور أو يتشكل من خلال النص (الدال) عندها نشعر برتابة الفلم/المحتوىوأفتقاره إلى أدوات تعبير مضافة تساعد على الأقل فى كسر حالة مثل هذه (صنمية الأداء والوظيفة) إلى فعل حركى يقوم على تغيرالمواقع داخل نسق الخطاب/الشريط.
وعلى هذا الأساس يقول الكاتب–أدورالخراط-: إن الفلم الفنى هو المنطلق الجديد لفاعلية الأنارة والديكور والموسيقى وغيرها من الأشياء التى تساعد على التكثيف والاختزال، أى إن الفضاء الدلالى لهذه العناصر يستدعى وجود لغة مشتركة تنجز فيها مكونات الدوال وظائفها فى التعبير، بعدعصب السرد/الحوار فى إنتاج الممكن والمحتمل من الرؤى.
وهنا تأخذ الصورة السينمائية بعدين من القصد على حد قول د. محمد مفتاح، الأول، فنى يتجسد عن طريق تحديث حركة الكاميرا (الزوايا والعدسات)، لما لها من دور فاعل فى نقل المؤثرات والإيحاءات الى الآخر، فأن لون الضوء المنسكب على الوحدة الصورية لايفسر على أساس علاقته بالزمن كما هو دارج ومفهوم وإنما صار يكشف عن معان عدة، تتحرك على السطح/الظاهر بعملية تتطلب رصد العمق أيضا، أى عمق نشك فى ترتيب موضوعته.
فالمهارة المتميزة لأستعمال آلية الكاميرا، يفوق أحيانا تأهيل الأشياء على الورق، وإن الاستخدام الأمثل المبنى على فعل الآلة (العدسة وحساسيتها) يعطى تقنية مضافة للمادة الحكائية، وهكذا يستفيد النسق العامل فى الشريط/الخطاب على التشاكل مع المفاهيم الأدبية وخصوصاً فى موضعىالاستعارة والتعويض.
فكل ماهو غير ظاهر فى (الصورة) يمكن أن يكون فاعل فى الحقيقة (التوارى)، وعلى هذا التدرج والتنامى فى (الشكل والمضمون) نرى المحفزات والمثيرات تأتى مخلقة بوساطة–الحيل، الخدع البصرية–التى تدخل نظام الفن من زاوية الأتقان الفلمى الذى منحته–الرؤية الأخراجية–تصوراتها/معيارها فى رصد معانى النص.
وبهذا السياق تكتسب الصورة تأثيرها وفعلها التحسسى بعد أن تتقولب بقالب اللغة المرئية، ما أن نستدل باللون أو الضوء على مستوى فاعلية اللقطة حتى تنتقل المؤثرات من نظامها الذى تكونت فيه ألى نظام آخر، هذا التغير يخلق لدينا إحساس بفنية الأنساق وقدرتها على التعبير بنفس الطاقة التى تمثلها الأنساق النصية فى مواجهة التلقى من حيث تحميل الدلالة أو تشكيل المعنى المتوارى بين السطور وجعلها فاعلة فى رسم الملامح ذهنيا.
أما البعد الثانى من عملية الرصد التى أشرنا إليها آنفاً: هو أدب الفلم (النص) حيث بالأمكان قراءته وتحديد قيمته من خلال الوسيط–التلقى، المشاهدة–بالنظر الى الوسيلة والأداء (التماثل والتقارب) بغية تحليل التداول الحاصل بين النص (الدال) لتقنيات الفيلم (المدلول) بعملية أطلق د. محمد عياشى–أطروحة النص–فمن خلال هذه الفعالية، نستنتج مدى عمق هذه الأستجابة بين الثنائتين (النص والفلم).
فالشعور بضم الخصائص (تركيب الصورة وتداخلاتها فى النص) أوتضافرها لايعطى حكماً نهائياً على ما نريد إظهاره من تقيم ،بل تبقى العملية محصورة بالأداء والمهارة لبلورة هذا الشعور أو الأحساس.
وفى ضوء هذا الأفتراض تكون–الكيفية–للمتلقى لها تصورات مسبقة، ربما تكون قادرة على تحليل أوفهم ماهية – الدال (النص) والمدلول (الفلم)، أى إن النظر إلى الفيلم من زاوية النص تتيح بنفس الوقت النظر إلى النص عبر أنساق الفيلم، بحيث إن هاتين النظرتتين فيهما ترجيح ومفاضلة وكل مشهد/لوحة، هو وجه من وجوه الأحتمال ومستوى من مستويات الدلالة والمعنى، وبذالك نحصل على خلاصات تتيح مزيداً من الضوء على فعالية الصورة وتركيب النص.
يقول الكاتب اليابانى – كونزو بورو أُوى -: بعد إن عرضت روايتى – الشجرة ذات الأخضرار الملتهب – فى السينما، وصفت المخرج المخضرم – كيروساوا – بأزولينى – الذى جاء عالم السينما من عالم الشعر، لأنه كان يقوم على تصوير الرواية برؤية – الواقعية السحرية – ويحرص على مزج أو ربط الأشياء الحقيقية بمغزاها الرمزى والخيالى، فشعرت بأن الرواية تتحول عبر الكاميرا إلى كلمات شعر وإن إيقاعها داخل الشريط (يقصد مكونات الصورة الحسية/الجمالية) لا يسمع رنينها الصافى الا عبر الأحاسيس والمشاعر المتدفقة عن المشاهد.
بهذه الحقيقة نلمس إن عناصر السرد السينمائى (مكونات النص/الفلم) لها فاعلية التجانس والتوافق فى تشكيل الصورة عبر آلية (التركيب/المعنى) التى تضم محتوى الدالين (النص، الفلم) ودمجهما فى سياق واحد لاتخلو أنساقه من المثيرات المنتجة عن البؤر، الباطن، الطوطم، التوارى، التماهى، هذه العناصر لايمكن لها أن تظهر فى الفلم إلا بعد إرتباطها بتصورات –الرؤية الاخراجية –ل ما لها من خصوصية المعالجة (تقنية + المهارة) وأيضاً لها قدرة على التحكم بقوانين التراكم داخل الخطاب السينمائى من لحظة المشهد الأول الى الأنجاز.
فكلما يتأسس مشهد من المشاهد يتمثل فيه البعد الفلسفى والتأويلى لأن – الأخراج – لم يعد مغلق محدد الدلالة، كما إن التأليف لم يكن كالسابق (يهمش) أى دور للمتلقى.
وهكذا نكتشف إن النص لايمكن أن يكوُن بمفرده مستوى الفيلم ولاالفلم يمكن له تجاوز سياقات النص، وبذالك نجد إن المنجز/الشريط يتوقف تخليقه على رؤيتين تسند احداها للأخرى (التأليف، الأخراج) بغية تكريسهما – المعنى والتعبير – على وفق آلية تجربتهما الذاتية والفكرية فى المواقع الفاعلة ضمن الأدب أو السينما.عباس خلف علي