في الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين، برز عدد من النجوم الذين حظوا بشعبية كبيرة، والذين اتسم أداؤهم بذاتية مميزة، مؤثرة وفعالة، لكن قلما أظهروا تنوعاً في الأداء من زور إلى آخر، فقد كانوا يؤدون مختلف أدوارهم من خلال ذاتية النجم نفسه وليس من خلال الشخصيات المتباينة التي كانوا يجسدونها. كانوا يزخرفون كل دور بأنماط سلوكية ذاتية، وطرائق تعبير ثابتة، وايماءات خاصة، وسمات مميزة لا تتغير إلا نادراً، بصرف النظر عن طبيعة الدور أو الشخصية، معتمدين على جاذبيتهم وولع الجمهور بهم. لم يهتم نجوم تلك الفترة بسبر الذات والتعبير عن دواخل الشخصية، بل كانت وظيفتهم تنحصر في حفظ الدور، والتركيز على التقنية، والاعتماد على توجيهات المخرج وعلي تجربتهم الشخصية في هذا المجال.
خلال هذه المرحلة، تحسن التمثيل وصار أكثر صقلاً مع تحريك المخرجين للكاميرا، وتطور الميكروفونات، وتحسن أداء الكاميرات والعدسات ومعدات التسجيل الصوتي، والأصوات صارت أكثر انخفاضاً، والأحاديث أكثر واقعية، والحركات الجسمانية والإيماءات وتعابير الوجه صارت أكثر اختزالاً... كانت تلك هي الخطوات الأولى نحو تطور التمثيل السينمائي بشكل فني مستقل.. لكن التطور الحقيقي لم يحدث إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وتحديداً في الخمسينات.
إن كل حركة أو اتجاه سينمائي يطرح تصوره الخاص للتمثيل، ويفرض أسلوباً أو نموذجاً للأداء يتلاءم وينسجم مع هذا الاتجاه في منظوره الفني والفكري للواقع وللفن وللحياة.
حركة الواقعية الإيطالية الجديدة، التي برزت في الأربعينات من القرن الماضي، صورت أفلامها في الشوارع والأحياء الفقيرة والمواقع الطبيعية. وكان سعي مخرجي هذه الأفلام للانفصال أو التحرر من كل قوانين ومبادئ السينما التقليدية، يستدعي - من بين أشياء أخري - إتباع منهج مختلف جذرياً في اختيار المممثلين الذين كانوا يشكلون عنصراً مهماً وأساسياً في توصيل رؤية المخرج وغايات الفيلم. كان المخرجون يبحثون عن الصدق والجد`ة والطزاجة والواقعية في الأداء، لذا لجأوا الى ممثلين هواة أو أفراد لم يمارسوا التمثيل على الإطلاق للقيام بتأدية أدوار ثانوية أو رئيسية أحياناً، جنب الى جنب مع ممثلين محترفين لكن لديهم الإمكانية والقابلية للتحرر من أسر الأساليب التقليدية والابتعاد عن الكليشيهيات المألوفة في الأداء. كمذلك فسخ المخرجون مجالاً واسعاً للارتجال في الحركة وفي الحوار.
الموجة الجديدة الفرنسية، التي ظهرت في أواخر الخمسينات والسنوات التي تلتها، استدعت نموذجاً جديداً من الممثلين يمي`زها عن الاتجاهات السائدة آنذاك. هذه الحركة - الموجة الجديدة - اتسمت بالحداثة والجد`ة في أشكالها ومضامينها، وكانت تقتضي من الممثلين خاصيات معينة تتلاءم وتنسجم مع الحركة: المصداقية، الحيوية، الطزاجة، الخروج عن الأنماط السائدة، نبذ النجومية، القدرة على الارتجال.
وقد ارتبط بالموجة ممثلون وممثلات شباب قدموا أداءً جديداً ومختلفا يتسم بالعفوية والحيوية: جين مورو أنا كارينا، جان بول بلموندو، أنوك وايميه، جان بيير ليو، جان لوي ترينتينان.
تقول جين مورو: (وجدت نفسي بين أناس أفهمهم بطريقة أفضل. أناس أعجبت بهم وكنت أرغب أن أعفهم، هكذا بدأت السينما تعني شيئاً بالنسبة لي، حين شاركت في فيلم ترفو جول وجيم كان ذلك فرصة للإفلات من أسلوب النجوم، حيث الكثير من المكياج والاهتمام المفرط بالشعر والملابس. فجأة كنا نصور في الشوارع مع قليل من المكياج وبملابس عادية. لا أحد هنا يقول لك:ثمة دوائر حول عينيك، أو وجهك يعوزه التناسب.. كنا ننتهي من المكياج في ظرف عشر دقائق. المظهر الطبيعي هو المهم. واللقطة القريبة لا تستغرق فترة زمنية طويلة. لقد كنا في الحياة. الموجة الجديدة امتدت وراء نطاق لا أفلام.. كانت تعب`ر عن موقف جديد من الحياة..