إن التحول في الجوهر الفعلي للتمثيل السينمائي الأمريكي صار جلياً في سنوات الخمسينات، لكنه لم يحقق انتصارا شاملاً. كان ثمة تفاوت وتنوع في أساليب الأداء. وفي موازاة ذلك استمر نجوم تلك المرحلة في المحافظة على صورهم التي تشكلت طوال السنوات السابقة وتكرست بفضل العلاقة الحميمة، القائمة على الحب والإعجاب، بين الممثل وجمهوره من جهة، والممثل والكاميرا من جهة أخري.
المثل صار عنصراً خلاقاً في العمل السينمائي. إنه أحياناً، يختار المادة ويقترح المخرج وينتج الفيلم ويساهم في كتابة أجزاء من السيناريو. إنه يتعاون على نحو وثيق مع المخرج والكاتب. وهو في هذا يعارض النظرة السابقة التي تصر على أن دور الممثل ينحصر في التمثيل أمام الكاميرا فحسب، ويتبين النظرة الجديدة التي تري في الممثل كائناً خلاقاً، مساهماً في إنتاج العمل وليس موظفاً أو دمية.
يقول دوستين هوفمان: (إذا كنت سأقضي عامين ونصف العام من عمري وأنا أكر`س نفسي للعمل في فيلم ما، كما فعلت في كرامر ضد كرامر، عندئذ يتوجب على أن أكون أكثر من مجرد ممثل دمية. احتاج أن أكون طرفاً في العملية الإبداعية كلها من البداية الى النهاية..
ثمة دائماً لتشكيله من أنماط وأساليب التمثيل التي لا يمكن حصرها في منهج ما أو اتجاه ما. الحقل التمثيلي حسب وثري، ولكل ممثل خاصية فردية يحرص على صيانتها فيما هو يتصل بذات أخري وينتحل هوية شخص آخر.
الممثل والسيناريو
من المعروف أن السيناريو يخضع لسلسلة من المعالجات والتغييرات والتعديلات، من قبل المخرج والممثلين والمصور والمونتير، والمنتج أيضاً، حتى يصل الى مشكلة النهائي المعروض على الشاشة.
في ما يخص الممثل، في علاقته بالسيناريو، فما أن يُسند اليه دور ما حتى يطلب قراءة السيناريو، وذلك للتعرف على شخصيته ومضمون العمل وحبكته وقيمته، وليقرر بالتالي قبوله بالمشاركة، أو عدم قبوله، وفقاً لقناعاته الفنية والفكرية ونحن، بالطبع، لا نتكلم عن الممثل الذي تدفعه الحاجة المادية، أو الرغبة في الانتشار، لقبول أي دور فإذا اقتنع الممثل بالعمل وبدوره لكن شعر بأن هناك خللاً ما، أو نقاط ضعف في رسم شخصيته، فإن من حقه أن يطالب الكاتب والمخرج بإجراء تعديلات في بناء شخصيته أو في إعادة صياغة حواراته. ومن حقه أيضاً أن يشارك في إعادة كتابة بعض المشاهد إذا كانت غاية الممثل تعميق شخصيته وإضاءة أبعادها ودلالاتها، فالممثل عنصر خلاق في العملية الإبداعية، وتخيلاته بالتالي هي مشروعة.
يقول روبرت دي نيرو: (السيناريو يتغي`ر أثناء التصوير. إنك دائماً تقوم بتعديلات معينة، خاصة عندما تجد نفسك في مأزق. وحتى لو كان السيناريو مكتوباً بشكل جيد، فإنه ليس من الملائم تصويره كما هو. ثمة أشياء تفعلها دون أن تكون واردة في السيناريو، والكاتب الجيد هو الذي يخلق للممثل بنية مناسبة ليعمل من خلالها. في الموقع، يحدث أن تخطر لك فكرة أن تنف`ذ مشهداً ما بطريقتك الخاصة. عندما تحركت نحو هارفي كايتل وأطلقت عليه النار في فيلم سائق التاكسي فإنني لم أكن أعلم ما إذا كانت طريقتي مطابقة لما كان مكتوباً في السيناريو. لقد فعلت ما رأيته سليماً ضمن طبيعة الحالة. أستطيع أن أقول بأن عشرين أو خمسين بالمئة من الفيلم هو مختلف عن السيناريو. في أحوال كثيرة، الكاتب لا يعرف عن الشخصية أكثر مما يعرفه الممثل. إذا كان يكتب بطريقة ذاتية جداً فسوف تشعر بأنه يفرض مشاعره الخاصة من خلال الشخصية. إذا كان الشخص لاعب بيسبول فإن الكاتب لا يعرف بالضرورة طبيعة السلوك المهني لهذه الشخصية في وضع معين، المثل هو الذي يتعين عليه أن يدرس هذا السلوك بطريقته الخاصة وأن يشتغل على التفاصيل..
وتقول ليندسي كروز: (السيناريوهات غالباً ما تكون تمهيدية أو ناقصة. السيناريو عبارة عن كينونة حية متغيرة الى حد أن من الصعب أحياناً أن تقرر أي شيء من نسخة السيناريو التي قرأتها في المرة الأولي. ذات مرة استلمت سيناريو. وفي الفترة الفاصلة بين قراءتي له وتعاقدي للعمل فيه، اكتشفت أنه تغي`ر كثيراً الى درجة أنني لم أستطع التعرف عليه، لم يعد كم كان حين قرأته في البداية.
لكن تدخلاته الممثل في السيناريو تكون مرفوضة حين يسعى الممثل الى توسيع حضوره على حساب الشخصيات الأخرى والعمل ككل، كأن يطالب بمساحة أكبر من الحضور، وتضخيم حجم دوره وإضافة حوارات لشخصية. هذه المطالب السطحية، غير المبررة فنياً، لا تعم`ق العمل - وشخصيته تحديداً - بل، على العكس، تضر وتشو`ه، ومثل هذه المطالب أو الاقتراحات لا تصدر إلا عن نجم أو ممثل يعتقد أنه نجم يهتم بتلميع صورته أكثر من اهتمامه بالعمل.
علي النقيض من هذا النموذج، نجد الممثلة ميريل ستريب تطالب باختزال مشاهدها من فيلم ironweed، ويعلق مخرج الفيلم هيكتور بابينكو قائلاً:
(هذا شيء نادر الحدوث. لقد طلبت مني اختزال مشاهدها وتقليل دورها. وكانت مصر`ة، رغم معارضتي، على تقليل الزمن السينمائي لحضورها من أجل جعل شخصيتها تبدو أكثر غموضاً. أغلب الممثلين يطالبون بالمزيد من الحضور، بمساحة أكبر لتعزيز أدوارهم، لكن ميريل لا تنتمي الى هذه النوعية.. إنها تهتم بالفيلم أكثر من اهتمامها بدورها..
وهذا ما فعله كلينت ايستوود أثناء عمله في فيلم (حفنة من الدولارات... يقول كلينت:
(كان سيناريو الفيلم شديد الإيضاح. وكان رأي أن تكون شخصيتي مكتنفة بمزيد من الغموض، فأخذت أردد على مسامع المخرج سرجيو ليوني ما معناه أن في أفلام الدرجة الأولي، أنت تدع الجمهور يفكر معك، أما في أفلام الدرجة الثانية، فأنت تشرح له كل شيء. كانت تلك هي طريقتي في توصيل فكرتي الى المخرج. كان هناك، مثلاً، مشهد يقرر فيه البطل أن ينقذ امرأة وطفلها، فتسأله: لماذا تفعل ذلك؟.. في السيناريو الأصلي، يستمر البطل طويلاً في سرد قصته... إنه يتحدث عن أمه، وكل الحبكات الجانبية تخرج اليك وكأنها تقفز من قبعة ساحر. وقد رأيت أن ذلك كله غير جوهري، فأعدت كتابة المشهد.
قبل يوم من تصويره، ليصبح هكذا... تسأل المرأ: لماذا تفعل ذلك؟ .. فيجيب: لأنني صادفت ذات مر`ة مثلك، ولم يكن هناك من يمد لها يد العون.
هكذا استطعنا أن نختصر صفحات من الحوار في جملة واحدة/. لقد تركنا الأمر شبه مبهم لتثير تساؤل الجمهور..
الممثل الخلاق يتعامل مع السيناريو على المستوي الإبداعي، معتمداً الحفر والتحليل والبناء. يقول هارفي كايتل:
(عندما تستلم السيناريو تقوم بتحليله، تحضر فيه لتكتشف من أين جاءت الشخصية، ما هي خلفيتها، ما الذي تفعله، ما هي رغباتها، ما هي مخاوفها، كيف تعيش.. إنك تحلل ما كان يدور في ذهن المؤلف، هذا يشبه الواجب المدرسي الذي تفعله في البيت. وتقول جيسيكا لانج:
(عندما يكون السيناريو مكتوباً بشكل جميل ومدهش، فإنه يتعين عليك أن تلتزم به وترتفع الى مستواه. أحياناً تحصل على سيناريو وتجد نفسك مضطراً الى خلق الشخصية من لا شيء. وفي هذه الحالة، يتعي`ن عليك أن تكتب حوارك الخاص، وأن تخترع أو ترك`ب الأشياء لتحقق شخصية متعددة الأبعاد.
هناك ممثلون لا يميلون الى إجراء تعديلات في السيناريو أثناء التصوير، لأن ذلك يخر`ب ما هيأ الممثل نفسه له من خلال التحضير للدور.
يقول وليام هيرت: (أكره التنقيحات التي يتعرض (السيناريو. إني أقوم بالتحضير لكل دور يحرص عليه، واحتاج الى وقت لفعل ذلك. إن إدخال كلمة جديدة يمكن أن تغي`ر المشهد كله بالنسبة لي. سيناريو فيلم قبلة المرأة العنكبوت تعر`ض للتنقيح طوال الوقت، وهذا جعلني أبدو غير محصن، وغير واثق من وضعي، كنت أذهب الى كل مشهد وأنا غير مهيأ ودون تحضير، ذلك كان مروعاً، إذ أك تحاول التحضير لدورك قبل وقت طويل بحيث لا تتفاجأ في المشهد. لم أكن بحاجة الى مفاجآت. التمثيل هو أن تصغي الى الممثل الآخر، واالكثير من المفاجآت تمنعك من الإصغاء..
الممثل، في تعامله مع السيناريو، يسعى أولاً الى التفاعل معه ثم يحاول فهم دوره، وفي هذا تتفاوت طرق التعامل مع النص من ممثل الى آخر.
ميريل ستريب: (إذا لم يخفق قلبي بسرعة فائقة عندما أصل الى الصفحة 15 أو الصفحة 20 من السيناريو، فإنني أضع السيناريو جانباً وأفقد الرغبة في مواصلة قراءته. إني أبحث عن ارتباط خاص، صلة عميقة، تفاعل عاطفي، فأنا لا أقترب من النص على المستوي الفكري فقط.
جين مورو: (علي المرء ألا يبحث مطلقاً في السيناريو عن المعني. حين ينتهي العمل، يأتي المعني من تلقاء نفسه..
إيزابيل أوبير: (عند اختياري للدور، أرغب في البداية أن أمتلك فكرة عامة عن شخصيتي. بعد ذلك أحاول أن أعمقها. غالباً ما كنت ألاحظ بأن فهم المخرجين للشخصيات المكتوبة في سيناريوهاتهم هو أقل من فهم الممثلين أنفسهم للشخصيات.
صوفيا لورين: (حين أقرأ السيناريو للمرة الأولي، لا أفهمه وأشعر بالتوتر والقلق، لذلك أقرأه عدة مرات وأناقش المخرج، وقد نتفق على إجراء بعض التعديلات، ثم أدرسه لفترة طويلة، وبعدئذ أنساه، وحين نبدأ التصوير أراجع كل مشهد وأمثل. إنني أدو`ن بعض الملاحظات والإشارات في مشاهد معينة.. ليست ملاحظات تقنية، فأنا أعمل وفق عواطفي..
جين هاكمان: (أنا لا أشتغل كثيراً على السيناريو. ربما يتعي`ن على أن أفعل ذلك. إني أقرأه وأتخذ قراري بشأنه منذ القراءة الأولي، ثم أعود اليه بعد أسابيع. وعادةً لا أقرأه إلا حين نكون مستعدين للتصوير أو حين تكون هناك بروفات. بمجرد أن أوافق على السيناريو، فإني أفكر فيه كثيراً وأعيش مع الشخصية، إني أؤمن بغاية المؤلف، بما يريده من مشهد معين، وما أستطيع أن أقدمه الى ذلك المشهد ضمن السياق الذي وهبني إياه..
جان لوي ترينتيان: (لا يجب على الممثل أن يمتلك ذاتية خاصة أو وجوداً شخصياً على الإطلاق. يجب أن يزيل الطبقات ويصل مثل صفحة بيضاء خالية. هذا صعب جداً.. أشبه باستعادة براءة الطفولة. عليك أن تعطي الانطباع بأن السيناريو لم يُكتب أبداً، وأنك تخترعه في لحظة الأداء: نوع مدروس من الارتجال..
إيان ماكيلين: (أعتقد أن كل إجابة على معضلات الممثل يمكن الكشف عنها من خلال النص إنها مسألة قراءة النص بعناية شديدة، وفهم كيفية تركيب اللغة بمساعدة الإيقاع والمجاز والعناصر الأخرى. أعتقد أن براعة الممثل، بعد امتصاص كل المعرفة التقنية، تكمن في جعل تلك المعرفة خفي`ة بالنسبة للجمهور..
المخرج أنتونيوني يطرح رأيا متعارضاً مع ما يسعى معظم الممثلين الى فعله أثناء قراءتهم للسيناريو وهو الرغبة في فهم العمل والشخصيات. فالمخرج هنا لا يحبذ هذا المسعى للفهم، وهو في هذا يتواطأ مع أولئك المخرجين الذين سنشير إليهم فيما بعد، والذين لا يميلون الى إطلاع ممثليهم على السيناريو.
يقول انتونيوني: (لا يتعين على الممثل السينمائي أن يفهم بل أن يكون قد يجادل الممثل قائلاً بأنه من أجل أن يكون، يحتاج الى أن يفهم. هذا ليس صحيحاً وإلا فإن الممثل الأكثر ثقافة سيكون الممثل الأفضل. والواقع يثبت العكس في أحوال كثيرة.
الممثل الذي يريد أن يفهم، يحاول الوصول الى قاع كل شيء، حتى الظلال الدقيقة للمعني. وفي محاولته لفعل ذلك، يتجاوز حدوده ويتعدى على أرض ليست أرضه، وفي الواقع، هو يخلق لنفسه عوائق وعقبات. إن ملاحظاته على الشخصية التي يؤديها والتي، وفقاِ للنظرية الشائعة، سوف تفضي به الى رسم خصائص دقيقة للشخصية، لا بد وأنها سوف تسلبه الفعالية وتجرده من الطبيعية. ينبغي على الممثل أن يصل الى الموقع وهو في حالة بكر، وكلما اعتمد أكثر على الحرس، صار أكثر تلقائية.
المخرج ميلوش فورمان يؤكد هذا في قوله: (لا يعنيني إذا فهم الممثل طبيعة ومحتوي ومغزى المشهد، أو ما أريده، طالما هو يؤدي دوره على النحو المطلوب. المهم هو النتيجة ليس مهماً ما يعرفه الممثل أو ما يظنه، بل ما يفعله..
وفي حديث للمخرج الألماني فرنر هيرزوغ عن الممثل برونو وعلاقته بالسينايو، يقول هيرزوغ: (الممثل برونو من النوع الذي ما إن يحصل على السيناريو ويعرف الحوار حتى يشرع في تدريب نفسه، وهو يدير نفسه في مواقف وأوضاع أحياناً تكون سيئة ومزعجة جداً. في فيلم لغز كاسبار هاوسر أعطيته المشهد الذي فيه يتلقى طعنة والحوار الذي يلي ذلك. كان يستيقظ في الصباح ويتمشى عبر البلدة الصغير التي كنا نصور فيها دون أن يخلع ملابس الشخصية، كان يدير نفسه بنوع من الاهتياج ذات صباح جاء الى وقال: فرنر، برونو الآن سوف يريك صرخة الموت... وأخذ يطلق صرخة مدو`ية، وكان جاداً في ذلك. قلت له: برونو، أرجوك لا تلمس السيناريو مرة أخري، سوف آخذة منك. يجب أن تثق بي، ولا تبدأ في تأليف المشاهد لنفسك...
وفتقول: للممثلة ليف أولمان عن فيلم انجمار بيرجمان (ساعة الذئب.، تقول :
(لم أفهم الفيلم أثناء تصويره. لكما بعد أن شاهدته وهو مرك`ب ومكتمل، أظن أنني قد فهمته. أذكر أني سألت بيرجمان عما إذا كان الأشخاص الذين يراهم زوجي حقيقيين أم متخيلين، فقال لي: ما الذي تعتقدينه؟.. أظن كان مفيداً بالنسبة لي ألا أفهم ما كان يحدث، لأن ذلك يناسب الشخصية، الفيلم ليس مرئياً من وجهة نظر الزوج فقط بل من وصف الزوجة له ومن قراءتها ليومياته..
إذا كان هناك مخرجون يتيحون لممثليهم حرية التعامل مع السيناريو من منطلق إبداعي، ووفق تعاون خلا`ق يثري الشخصية ويعمق العمل، فإن هناك مخرجين يرفضون المساس بالسيناريو، ولا يسمحون بأي تدخل للمثل في النص أو الحوار، سواء بالحذف أو الإضافة.
يقول جاك ليمون عن المخرج بيلي وايلدر الذي تعاون معه في أفلام عديدة:
(السيناريو، بالنسبة لبيلي وايلدر، أشبه بالإنجيل.. لا تستطيع أن تحذف أي حرف منه، ولا حتى أن تغي`ر واو العطف. شخصياً، طوال عملي معه، لم أغي`ر كلمة واحدة من النص باستثناء مرة واحدة فقط حين اقترحت أن أكر`ر جملة واحدة. عندئذ انتحي مع كاتب السيناريو جانباً، وبعد نصف ساعة عاد وقال لي: لا بأس، يمكنك أن تكر`ر الجملة.
وتقول الممثلة الفرنسية بولي أوجير عن بونويل: (ما هو مهم بالنسبة لبونويل هو أن الفيلم يعكس السيناريو، وعلي الممثل أن ينقل بدقة ما كتبه. ليس مسموحاً له القيام بأي تغييرات.
أما المخرج روبرت موليجان فيقول:
(أغلب الممثلين الجيدين يحترمون النص إذا كان السيناريو قوياً. الممثلون ليسوا كت`اباً، وأنا لا أميل الى تشجيعهم بالقول لهم: افعلوا ما تشاءون بالنص.. أو، أنسوا السيناريو.. لماذا ينبغي أن ننسي السيناريو إذا كان المخرج، أو المخارج والكاتب، أو الكاتب وحده، قد عمل بجد` ومشقة ليبعث الحياة في الصفحات، مع ذلك، فإني أحث الممثلين على إبداء آرائهم، والحديث عن الأشياء التي تزعجهم أو تقلقهم في النص..
من جهة أخري، فإن بعض الكتاب مثل هارولد بنتر وغيره، يرفضون أي مساس بالسيناريو، أو أي تعديل للحوارات، دون الرجوع إليهم ومناقشتهم.. والممثل يري في هذا الموقف تقييداً لحريته في تعامله مع الدور.
يقول جيرمي آيرونز: (أحد أكثر الأدوار صعوبة كان دوري في فيلم Betayal، ذلك لأن سيناريو هارولد بنتر كان صارماً جداً ودقيقاً في تفاصيله، وينبغي أن يؤدي بعناية شديدة. أدائي في هذا الفيلم كان تحت رحمة الحوار والإخراج.
المخرج، في الغالب، يحرص على عرض السيناريو على الممثل لقراءته ومناقشته، سواء عبر القراءة الخاصة الفردية أو من خلال البروفات. الممثل في هذه الحالة يعرف شخصيته وحواراتها وتناميها ضمن الحبكة والسرد، وعبر تأوليه الخاص للسيناريو.
والمخرج، في بعض الأحوال، وبسبب إدراكه لإمكانيات وقدرات بعض الممثلين، يلجأ الى تخي`ل ممثل معين في الدور الذي يكتبه.
يقول الكاتب - المخرج جيم جارموش: (عادة. أكتب لممثلين معينين، ومن خلالهم تتكون لدي` فكرة عن الشخصيات التي أريد منهم التعامل معهم.. هذه الشخصيات هي التي تقترح القصة. إني أكتب الشخصية وفي ذهني ممثل معين..
لكن هناك حالات عديدة، في السينما العالمية، يجهل فيها الممثل مسار شخصيته، أو حواراتها، أو حتى قصة الفيلم ومضمونه وكيف سيبدو بعد إنجازه واكتماله.
يحدث أحياناً الشروع في تصوير الفيلم دون أن يكون السيناريو جاهزاً، أو دون الاستقرار عليه من قبل المنتج والمخرج وكاتب السيناريو لخلافات معينة.
تقول انجريد بيرجمان في كتابها (قصتي) الصادر في 1972:
(تصوير فيلم كازابلانكا في البداية
كان كارثة. فثمة جدال دائم بين المنتج وكت`اب السيناريو، وتغييرات في السيناريو من أي نوع يمكن تخي`له. كانوا يقدمون لنا، كل يوم، حوار المشهد المراد تصويره دون أن نفهم شيئاً منه. لا أحد منا كان يعرف الى أين سيتجه الفيلم أو كيف سينتهي، وهذا بالطبع لم يساعد أي ممثل في تصوير خصائص شخصيته. كل صباح كنا نتساءل: من نحن؟ ما الذي نفعله هنا؟ .. والمخرج مايكل كوتير يجيب: لسنا متأكدين تماماً، لكن دعونا نصور هذا المشهد اليوم وسوف نعلمكم غداً.. كان الأمر فظيعاً وغير معقول المخرج لا يعرف ما يفعله لأنه - مثلنا - لا يعرف القصة - والممثلون لا يعرفون ما الذي يحدث. وأنا لا أعرف أي ممثل سيكون الرجل الذي أحبه، لذلك كنت احتار كيف أتصرف..
في حالات معينة، المخرج لا يسمح للمثلين بقراءة السيناريو، وذلك لأسباب مختلفة تتصل بمنظور ورؤية كل مخرج. أندريه تارمكوفسكي يري بأن المعرفة المسبقة للأحداث تحول دون معايشة الممثل اللحظة بفرادتها وخصوصيتها، فنقول تاركوفسكي في كتابه (النحت في الزمن.:
(الممثل العقلاني، التحليلي، يعتبر معرفته بالفيلم، كما سيبدو عليه، أمراً مفروغاً منه. ونتيجة دراسته للسيناريو فإنه يقوم بجهود مضنية لتصو`ر الفيلم في شكله النهائي.
وبافتراضه إنه يعرف كيف ينبغي أن يكون عليه الفيلم فإن الممثل يبدأ في تأدية الحصيلة الأخيرة.. أي مفهومه أو تصوره لدوره، وبفعل ذلك هو ينكر المبدأ الفعلي لخلق الصورة السينمائية. حين أحقق فيلماً فإنني أحاول ألا أرهق الممثلين بالمناقشات، ولا أدع الممثل يربط أي جزء يؤديه بالكل ولا حتى بمشاهده السابقة واللاحقة مباشرةً. على سبيل المثال، في أحد مشاهد فيلم المرآة، حيث البطلة تنتظر عودة زوجها، والد طفلها، وهي جالسة على السياج تدخن سيجارة، آثرت أ تجهل مرجريتا تريكوفا التي أدت الدور الحبكة، وأن تجهل ما إذا كان زوجها سيعود إليها أم لا. لقد حافظنا على سري`ة القصة حتى لا تتفاعل معها وتستجيب إليها على مستوي لاشعوري من الذهن، بل تعيش تلك اللحظة تماماً كما عاشتها أمي - نموذجها الأصلي - ذات مرة دون أي معرفة مسبقة لما سوف يحدث لها. لا شك أن سلوكها في هذا المشهد سيكون مختلفاً لو أنها عرفت مصير علاقتها بزوجها في المستقبل.. ليس مختلفاً فحسب
ترجمة وإعداد: أمين صالح