موضوع: حالة غش سينمائي الجمعة أكتوبر 09, 2009 10:31 am
حالة غش سينمائي
واش عقلتي على عادل؟"
نعم أتذكر عادل الأول، كان بطل فيلم آخر، عادل شاب في العشرين فقير دون تعليم يعيش في أسرة مفككة بالدار البيضاء يتناقر مع صديقه ويحلم بالهجرة إلى الغرب.
نفس الممثل (عمر لطفي) ونفس الشخصية ونفس الاسم (عادل) والوصفة كررهما المخرج محمد زين الدين في فيلمه "واش عقلتي على عادل؟"، مع إضافة بعض التوابل إلى الطبخة لكي لا ينتبه المشاهد، إليكم المكونات:
عادل الثاني، أيضا يحاول الهجرة، صديقه رشيد لا يفكر في الهجرة، يتاجر ويدخن بشراهة مثل صديق عادل الأول، رشيد تاجر أقراص مدمجة تروج للحرام، شقيقه – الذي يرجى أن نفهم أنه إرهابي- بائع دجاج مذبوح يتوضأ ويستمع للقرآن وهو يشتري سيفا صنع في السعودية، يخبئ بطاقة هاتف خلف القرآن الموضوع فوق كهرباء ويريش دجاجه بيديه لا بآلة، لمجرد ان يظهر يمسح يديه الدمويتين في ملابسه، للإشارة: نظافة الإسلاميين المتشددين هي مضرب مثل.
من فيلم "كاباريه" نسخ المخرج شخصية ابنة المدينة العتيقة المحتشمة بالجلباب والشربيل، ثم نراها في المدينة العصرية بسروال جنز وكعب عالي، عاهرة بوجهين... الشابات في الفيلم عاهرات يمكن تقبيلهن بشكل سائب دون مقدمات ومقبلات ووعود... شخصيات سطحية مأخوذة من كليشيهات جاهزة مستهلكة، تقدم نسخة بائسة من عادل بطل فيلم "كازانيغرا" للمخرج نور الدين لخماري.
بجانب هذا الاستنساخ والقص واللصق، هناك مشاهد طويلة رتيبة غير ذات صلة: جولة فولكلورية طويلة بالسيارة في المدينة القديمة، الحاج الطالياني ينزل السلم الحلزوني في عمارة، فرقة متسولين إيطاليين تعزف في أكثر من دقيقة، شابة ترسم، مشهد لكتاب "دليل السينما المغربية"... طبعا يريد كاتب السيناريو – المخرج المقيم في إيطاليا أن يخبرنا باهتماماته الثقافية، التي لا صلة بينها ومشاريع شاب مغربي في مدينة آيلة للسقوط يريد أن يهاجر من أجل الرزق، يحلم بالهجرة فيتحقق حلمه فورا ويظهر في إيطاليا يقود روفر رباعية الدفع ويتحدث الإيطالية بطلاقة. يطرده شقيقه، يحمل معه لوحة وليس أوراق من فئة 500 أورو المجودة في الخزنة، يشتري مسدسا ويصير إرهابيا فجأة...
بجانب صلصة الأحداث هذه، هناك صلصة شخصيات تظهر وتختفي... بلا وظيفة.
هذه مكونات صلصة لكاتب سيناريو يلملم ما يجده أمامه ليملأ الوقت، ليصل إلى ساعة ونصف بشق الأنفس، وبسبب هذا الإجهاد والخواء، لم تركب تلك المكونات لتخرج منها حبكة يتتبعها المشاهد، ليفهم الشخصيات وهي تأخذ طريقها في الحياة.
لنر كيف استخدمت تلك المكونات:
هل تتذكر عادل؟
هذا سؤال يطرح عن شخص تغير حتى أن معارفه ينكرونه. هذا سؤال عن حال الذاكرة القصيرة بعد مرور الزمن، وعن أثر الزمن والأمكنة في الأشخاص. ما الذي غير عادل، الزمان أم المكان؟ ثم كيف كان عادل وكيف أصبح؟
على صعيد الزمن، نتعرف على عادل طفلا لدقائق ثم يظهر كبيرا. وهنا تعتبر محاولة تغطية مدة زمنية طويلة من حياة الشخصية مهمة صعبة تجعل مشاهد الفيلم مفككة، لأن الذاكرة انتقائية، وهي تنتقي وتلتقط أحداث معينة دالة من حياة الشخصية، وليس من السهل العثور أو إظهار العلاقة السببية بين أحداث منتقاة وبينها فاصل زمني طويل جدا.
على صعيد المكان، يحلم عادل بالهجرة إلى إيطاليا، يزور الفيزا ببطاطس مطبوخة وقنينة كحول، ثم يظهر في إيطاليا وعندما تنفجر قنبلة تحت سيارته يظهر وحيدا وتنفجر قنينة الكحول. تزوير الفيزا بالكحول والبطاطس في عهد السكانير والحاسوب؟ هذه إهانة لذكاء المتفرج.
نفس الثبات يشمل سلوك شقيق عادل (فوزي، أمين الناجي)، إنه يتصرف بنفس الطريقة حين كان سليما معافى وكذلك بعد أن صار مقعدا وكأن مصائب الزمن في البدن لا تترك آثارا رهيبة على الشخصية، وكأن الألم لا يطبع الذاكرة. قاعدة سيكولوجية ذهبية: الصدمات البدنية تزعزع ثقة الناس بأجسامهم ونفسياتهم.
الزمن والمكان يغيران البشر والحجر، لكن كاتب السيناريو قفز على قوانين الزمان والمكان ففشل في فهم شخصياته، فلم يبنها ليصورها تتطور وتنبض. ولم ينقذه إقحام فكرة ضبابية عن صراع الحضارات والإرهاب والهجرة وترييش الدجاج يدويا والرسم والعزف و...
لا تنطبق تلك القوانين على شخصيات فيلم زين الدين، مر عادل من المكان والزمان ولم يتغير لأنه كليشيه وغير متصل بها، لذا بقي كما يصفه أخوه "برهوش مكلخ حمار كلب حتروف مقمل". تمر الشخصيات في المكان والزمان ولا تتأثر، لأنها كانت شخصيات جاهزة ومنتهية منذ البداية، نقطة الانطلاق هي نفسها خط الوصول بالنسبة لها، لذا لا داعي للحكاية.
الحكاية هي رحلة اكتشاف، لتحقيق هدف، يجب أن يأخذ الفيلمُ المشاهدَ عبرها، للتعلم والاستمتاع من مسار الشخصيات... يمكن تقديم ملخص للحكاية المتماسكة في سطرين ويفهم المتلقي، وحين لا يفهم ما قدمناه فلأنه مجرد صلصة غير متمساكة جارية، محاولة تمرير رسائل غير مصقولة أظهرت مدى فبركة الحكاية.
ملحوظة: المرجو من كل مخرج لم يسبق له أن ألف ولو نكتة أن يحكي سينوبسيس فيلمه لطفله وسيدله على نقط الضعف. الطفل لن يسكت ويمرر الخواءات بل سيسأل والزمن في ذهنه:: متى؟ أين؟ من؟ كيف؟ لماذا؟
هذه استنتاجات قاسية، ومن باب الشك، تحملت مشاهدة الفيلم للمرة الثالثة في ظرف أسبوع بقاعة الفن السابع بالرباط، لكي أنفي ما سبق، لكن مع الأسف يتأكد ما رأيت:
هذا فيلم استباغيتي بصلصة هجرة وبصل وإرهاب وتزوير وفن تشكيلي وكلاب على اسم "بوش" وخل ويمين إيطالي ومرق غير مركز برائحة الخم وزغب صراع حضارات... وممثل يخرج عن دوره، يتجاوز المخرج ويتحدث عن حلمه الخاص، عمر لطفي يحلم أن يصبح روبير دونيرو، يقول المخرج الروسي أنرديه تاركوفسكي "كم هو شاق أن تمنع الممثل من عيش حياته الخاصة في اللقطة"... وكان من النزاهة أن يقول لطفي للمخرج "نحن نصور نسخة".
إنها إعادة إنتاج ميكانيكية للعنف اللفظي في "الزنقة" الشارع. ليس للشخصيات ما تقوله، لذا تملأ الفيلم بالشتائم. لماذا؟ من اجل الواقعية. لكن لدينا الواقع، من يحتاج نسخة منه؟
يقول توماس ماديسون "لكي تخترع، أنت بحاجة إلى مخيلة وكومة خردة" فيلم "واش عقلتي على عادل" هو خردة دون مخيلة إبداعية، ودون فلتر. الفنان هو فلتر بين الواقع والإبداع. عندما يمر الواقع بكل شوائبه إلى الفيلم، فإن الفلتر مخروم من جهتيه.
خردة، أفضل التعبير الشعبي المرادف "خردولة"، أي مرق شديد الحمرة من خليط خضر غير منسجم، طماطم وخيار وقرع وبصل ودجاج إرهابي... كل النساء يطبخن الدجاج، وكل المخرجين يمكنهم تناول مشاكل مغرب اليوم بألفاظ نابية وسكيتشات متلاصقة في فيلم، لكن قلة من النساء يصنعن مرقا لذيذا يبقى طعمه في الذاكرة وقلة من المخرجين يتجنبون بقاء رائحة الخم في أفلامهم، صاحب "عقلتي على عادل" ليس منهم، وقد أهدر فرصة بتناوله موضوعا مستهلكا.
لقد استنزفت السينما المغربية حلم الهجرة إلى الغرب، يستحسن أن ينظر كتاب السيناريو المغاربة إلى حيث يضعون أقدامهم وسيجدون مواضيع جديدة. خلافا لما يُظن، من الصعب تناول موضوع شائع، هذا ما يقوله الأستاذ الجامعي لطلبته لحظة اختيار وتسجيل البحوث. تناول موضوع مستهلك يفرض قراءة جل ما كتب عنه ونقده لتحديد مكامن ضعفه لاتخاذها نقطة انطلاق للبحث، لذا في صالح الباحث والمخرج المبتدئ أن يتناول موضوعا جديدا ينقذه من امتحان المقارنة مع ما سبق.
الدرس الأول في كتابة السيناريو هو "أكتب عما تعرفه"، كاتب سيناريو "واش عقلتي على عادل" تناول قضايا استهلكها الإعلام باعتبارها قضايا الساعة، يريدها أن تدخل في فيلمه، فأدخلها خامة، مثل شعير في رغيف. جاء التناول سطحيا وغير مقنع، وقد استخدمت موسيقى تصويرية أقرب إلى الضجيج للتغطية على خواء الصور.
نتيجة لهذه الرجات واللخبطات لا تتأسس أية صلة حميمية أو تعاطف بين المشاهد وبطل الفيلم الذي يصعب الإصغاء إلى نبضه بهدف تفهمه والتعاطف معه، لأن الشخصية لم تبن بحذق وعمق. يقول المخرج الأسباني بيدرو ألمودوفار عن بناء شخصيات أفلامه " وراء كل شخصية هنالك حكاية طويلة كتبتها وكأنها رواية. ولكن، ما دمت قد كنت بصدد فيلم كان علي أن أركب وأشذب".
ألمودوفار نجح ليس لأنه يملك كاميرا أفضل أو ممثلين أفضل، بل لأنه يقدر فنه، ويخصص له ساعات طوال ليبدع، أما من حاول استغلال ممثلين نجحا في عمل آخر، عمر لطفي في كازانيغرا وأمين الناجي (المهيدي) في مسلسل "وجع التراب؟" فلم يوفق، لأنه لم يصنع البيئة الملائمة لتطور نفسيات شخصياته، لم يقدم لها تاريخا شخصيا يسهل عليها التعامل مع حاضرهما، لذا حصل على خردة سينمائية.