محمد عسلي مخرج فيلم " فوق الدار البيضاء الملائكة لاتحلق
كاتب الموضوع
رسالة
سعد
المساهمات : 5 تاريخ التسجيل : 03/01/2008
موضوع: محمد عسلي مخرج فيلم " فوق الدار البيضاء الملائكة لاتحلق الخميس يناير 03, 2008 12:50 pm
لماذا لا تحلق الملائكة فوق الدار البيضاء؟ إن الملائكة لا تحلق فوق الدار البيضاء فحسب، بل إنها لا تحلق فوق الوطن العربي برمته. وقد اخترت الدار البيضاء كتصغير أو تشبيه للواقع العربي.. والملائكة لا تحلق فوق الوطن العربي لأسباب عديدة.. إن الفاعل السياسي والثقافي والاقتصادي هي أسباب عدم تحليق الإنسان العربي، ولا يمكن أن تكون هناك حياة كريمة للإنسان بدون تحليق، أو بدون حلم. أي أن الملائكة هم الشعب العربي.. كل شيء جميل يوصف بكونه ملائكي، وأنا أقصد هؤلاء الناس الطيبين المغلوب على أمرهم في الوطن العربي .. المرغمين على المكوث في الأرض رغم توافر الأجنحة لهم.. ولكن هذه الأجنحة مكسورة من طرف الحاكم العربي. كيف جاءت فكرة الفيلم؟ في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية، لا يمكن أن نعول على الإنسان عندما لا يمكنه تحقيق أحلامه الصغيرة. والمواطن العربي لا يمكن أن يحقق أحلامه البسيطة مثل اقتناء بيت أو حذاء أو أن يحيا قرب زوجته! .. وبذلك لا يمكن أن نعول على إنسان فاقد للحلم حتى البسيط منه.. فكيف لنا أن نحسن وطنا بإنسان لا يحقق حتى أبسط أحلامه؟ .. هذا هو ما حاولت أن أعبر عنه من خلال الفيلم. فالوطن هو الإنسان .. والإنسان العربي مغيب، وهذا يوصلنا إلى أن الوطن العربي مفتوح لأي سطو أو غزو ثقافي كان أم اقتصادي أم سياسي . وهذا هو الحاصل الآن. وكيف يكون الحل من وجهة نظرك؟ الحل في رأيي يكمن في البحث عن الانتماء، وللأسف فإن نخبنا العربية سواء السياسية أو الثقافية أو الاقتصادية هي فاقدة للانتماء . وهذه النخب هي المكون الأساسي لأي تحول في أي مجتمع قبل أن يكون التحول من قبل السواد الأعظم من الناس.. ولكن الحاصل أن النخب العربية مشغولة بأشياء تافهة مثل جمع المال والجاه والسلطة. وفي حضور هذا الهم التافه جدا .. ضاع الوطن. وعندما يضيع الوطن فلا أمل. ما سبب تأخر فيلمك الأول لمدة 24 عاما؟
سبب التأخر هو انتمائي لهذا الوضع الذي تكلمت عنه. ففي غياب النخب التي تدافع عن الوطن، لم أجد أرضية سينمائية أو اقتصادية وطنية تخلق مني سينمائي وطني. فاضطررت إلى بناء هذه الإمكانيات بنفسي وتطلبت مني 24 سنة. وعلى الرغم من كونه الحل الوحيد لي، فإنه بشكل عام هذا ليس حلا للسينما العربية، فما حدث لي أعتبره جريمة في حق الإنسان العربي وأنا أمثل هذه الجريمة.. فكيف يعقل أن ينتظر شخص يحمل بداخله إمكانيات إبداعية فترة طويلة لكي يقدم أول أعماله.. هذا الاتهام موجه لكل من هو قائم على العمل السينمائي في بلدي. وكيف تفسر نجاح بعض المخرجين في تقديم أعمالهم في سن صغيرة؟ السبب في ذلك هو خضوعهم لتنازلات لم أقبلها.. لقد تأخرت بسبب عدم رضائي عن تلك الاختيارات وذلك النوع من الإنتاجيات التي وافقوا هم على تقديمها .. فلم أرض بأي تنازلات أو مساومات . وهذا هو الفرق الوحيد. ولماذا استعنت بتمويل أجنبي لإنتاج الفيلم؟ كانت نسبة المساهمة الأجنبية ضئيلة جدا لم تتجاوز 20%. ولكنها كانت ضرورية حتى يمكنني عرض الفيلم في الخارج. فبدون هذه المساهمة لم يكن ليوزع الفيلم في الغرب. وسبب ذلك بالطبع هو الحصار المفروض علينا، وهو ليس حصارا سينمائيا فقط ، وإنما سياسي واقتصادي أيضا. فهل يعقل أن يتوافر للعالم كله طاقة نووية باستثناء العالم العربي؟! لماذا لا يتوافر للوطن العربي طاقة نووية أو تكنولوجيا متقدمة؟! إن العربي ممنوع من التواصل الثقافي والاقتصادي والتكونولجي. وثقافتنا العربية محاصرة.. ونحن نعمل بالسينما من خلال دائرة من الحصار حاولت التحايل عليها بتمويل الفيلم تمويلا أجنبيا. ألم يكن عرض الفيلم في العالم العربي كافيا بالنسبة لك؟ بالطبع لم يكن كافيا. فقد كان همي في الوطن العربي هو الإنسان العربي، وهمي في الغرب ليس فقط الإنسان الغربي بقدر ما هو الحاكم الغربي. لأنه يؤثر على حاكمي العربي.. وكان يجب أن أقدم فيلمي له لكي يعيد حساباته.. فأينما لا يمكن تحقيق الأحلام البسيطة في دولنا العربية، فإن ذلك خطرا ليس فقط على هذه الدول بل أيضا على الدول الأجنبية وعلى الحاكم البعيد في لندن أو باريس أو مدريد ، وقد كنت محقا.
يرى البعض أن استخدامك للغة الأمازيغية ليس إيمانا منك بقضية الأمازيغ ، وإنما كورقة رابحة لحصد الجوائز.. ما تعليقك؟
ما فكرت يوما بهذا... فالفيلم لم يدخل إلى العالم الغربي من البوابة الأمازيغية، لأنهم في الغرب لم يعوا تلك الإشكالية في الفيلم. ولكنني قدمت هذه الشريحة لأنني أنتمي لبلد مكوناته هي عربية وبربرية وصحراوية ومهاجرين من الأندلس. هذه هي فسيفساء المغرب التي أعتز بها. وقد حاولت أن أكون هذه الفسيفساء في الفيلم من خلال المطعم الذي يعمل به صاحب الحذاء الصحراوي، وصاحب الحصان العربي، والزوج البربري، وصاحب المطعم المهاجر الأندلسي صاحب رأس المال الوطني من أهل فاس.. وهذا هو العمق الفكري لفيلمي. ولا أظن أن حصد الجوائز كان بسبب الجزء الأمازيجي أو البربري بل بسبب تميز الفيلم. وماذا أضافت الجوائز لمحمد عسلي؟ أحاول أن أدافع عن نفسي بعدم تأثيرها علي. فأنا أعتبر أن هذه الجوائز لعبة لا تؤثر على مصيبة وجودي المتخلف والمنكسر والمنهزم. فكل هذا الاهتمام حول فيلمي لم يحل مشكلتي في فلسطين أو مشكلتي في العراق ولم يمحو أمية الشعب المغربي التي تصل إلى 70% .. فهل تظنين أنني سأكون سعيدا بالجوائز مع كل هذا؟ بالطبع لا.. ألم تخف من هذا النجاح الساحق الذي حققه الفيلم؟
نجاح الفيلم يؤكد ما أؤمن به.. فعندما يكون الفيلم صادقا متحيزا لقضيته ومحترما لها فإن العالم كله سيحترمه وينحني أمامه.. وقد توج فيلمي واحترم لصدقه الشديد واحترامه لقضيته. وعلى الرغم من منعي من دخول للولايات المتحدة لأن اسمي "محمد" فإن فيلمي قد حصد جائزة أفضل عمل فيلم مهرجان "شيكاجو" ورفضت أن أذهب هناك قبل أن يترك بوش الحكم. ماذا يمثل لك عرض الفيلم جماهيريا بأوروبا؟ عرض الفيلم جماهيريا في بريطانيا وإيطاليا.. وقد دفع الفيلم الجمهور الغربي للتفكير على الأقل في أن العربي يحمل مشاعر نبيلة.. وإلى حد ما فقد كسر الفيلم تلك الصورة الغرائبية المغربية المنتجة من الفرانكفونية. فقد حاولت أن أقدم شيئا جميلا بدون وقاحة لأنني أنتمي إلى مجتمع مسلم يمنعني من أن أكون وقحا. كم استغرقت كتابة وتنفيذ الفيلم؟
كتبت الفيلم عام 1997، وأنتجته عام 2003. انتظرت طويلا كي تهطل الثلوج، حتى أنني فكرت في النهاية أن أصور الفيلم في تركيا.. ولكن عندما بدأت تصوير المشاهد الأولى بالمغرب .. أثلجها ربي، فغيرت برنامج العمل وتم التصوير بالمغرب. وهل كان دور الجليد حيويا لدرجة تجعلك تنتظره تلك الفترة الطويلة؟ طبعا. فالفيلم بدون ثلج كان سينقصه الكثير. فالثلوج كان لها تأثير درامي كبير، فهي تزيد من دراما الموقف ومن شعور الانكسار الذي يشعر به البطل عندما يجد زوجته ملقاة على الأرض وسط هذا البياض الناصع دون أن تمتد لها يد واحدة لمساعدتها... فالجليد يحمل قيمة جمالية عالية. اتهم البعض الفيلم بأنه يشوه مدينة الدار البيضاء.. ما رأيك؟ أنا لم أكذب.. فهذا هو الواقع، بل إنني أتمنى تقديم فيلم آخر أقوى من ذلك الفيلم. إن الدار البيضاء كما صورت بالفيلم هي نموذج للوطن العربي.. فأنا لم أتعامل مع المدن العربية على أنها مدن ولكن على أساس أنها تجمعات سكانية. فمفهوم المدينة شيء آخر.. ولا توجد مدينة واحدة بالعالم العربي. فالحاكم العربي لا يفهم معنى تهيئة مدينة صالحة للبشر. ومدننا لا تحترم البشر. فعندما نمر بأي شارع لا نتطلع لواجهات البنايات وإنما ننظر للحفر لنعرف أين نضع أقدامنا.. وهذا هو الواقع الاجتماعي والاقتصادي والفني والسياسي الذي نعيش فيه. ذكرت في تصريح لك أن الدار البيضاء هي مثال مصغر للولايات المتحدة.. ماذا تقصد؟ ما ذكرته تحديدا هو أن الدار البيضاء تريد عولمة المغرب كما تريد أمريكا أن تعولم العالم كله.. فالدار البيضاء بعجرفتها وغطرستها تريد أن تفرض نمطا واحدا للحياة على بقية أجزاء المغرب وترغب في أن تمحو شخصيات المدن الأخرى وبذلك فهي تمحو قوة المغرب التي تتمثل في اختلافه. ذكرت أن الناقد اللبناني المرحوم"غسان عبد الخالق" كان أول من أقنعك بالتخلي عن موقفك الرافض للمشاركة في الأنشطة السينمائية بالمغرب. ما سبب الرفض وسبب التراجع عن الموقف؟ كنت رافضا المشاركة في المهرجانات غير الوطنية، لأنني لا أريد أن أطل على جمهور المغرب من خلال تظاهرة ليست وطنية بالمرة، بل مجرد عرس فاسد لا يخدم وطني. وقد عرض علي المشاركة في مهرجان أصيلة ولكنني رفضت لأن الدعوة قدمت من جهاز حكومي، ولما اتصل بي المرحوم "غسان عبد الخالق" فهمت من كلامه كيف يحمل المهرجان روح المغرب وعرفت توجه السيد "محمد بن عيسى" المسئول عن المهرجان. فوجدت أن مشاركتي فيه سوف تكون مشرفة لبلدي على عكس المهرجانات الأخرى التي يسيطر عليها الفكر الفرانكفوني بغطرسته مثل مهرجان مراكش. ما موقفك من الفرانكفونية؟ موقفي رافض للفرانكفونية ومتهم لها. فبالنسبة لي هي نوع آخر من الاستعمار أقاومه. وأنا أحكم عليها من خلال إنتاجها. فكيف يعقل أن يكون هناك توجه إنساني لخلق صورة لشعب ما ، دون أن تكون لديه أدوات الإبداع؟ فشعبنا المغربي يفتقد كل عناصر الإنتاج الفني . فكيف يمكن ألا يفقه مهندس الصوت الذي يسجل حوارا باللغة العربية كلمة عربية واحدة؟. إنني مطالب بإنتاج صورة تشبهني ولا تشبه ذلك التوجه الاستعماري الفرانكفوني.
هل مازال السينمائي المغربي سجينا لهذا التوجه الاستعماري؟
طبعا وبنسبة كبيرة تصل إلى حوالي 99% من المخرجين المغاربة. والمسئولية عن هذا الوضع متشعبة. فهي أولا مسئولية سياسية من قبل الحكام الذين لم يحاولوا تحصين أبناء الوطن - ولو حتى من الناحية الفنية - بما دفعهم إلى أحضان الآخر. وهذه تعد جريمة تاريخية لا تغتفر. وعندما يكون السينمائي ضعيفا من الناحية الفكرية ولديه شرخ كبير في هويته، يكون سهل الاختراق.. فقد حصلنا على الاستقلال الصوري منذ عام 1956 وأعتقد أنها فترة كافية كي يبلور الإنسان هويته وفكره وتوجهه، ولكن ذلك لم يحدث لأن الاستعمار لم يخرج قط. فقد خرج من الباب ودخل من الشباك من خلال الفرانكفونية والتعليم والاقتصاد ...الخ.
أما المسئولية الثانية فتتجلى في النخب السينمائية التي تلهث خلف أشياء تافهة كالتواجد على الساحة والحصول على المال.. وعندما يكون هذا هو هدف النخب في المجتمع، يسقط عنهم لقب "نخب" أو "ممثلو الشعب" ليعودوا إلى العامة مرة أخرى.. لأنه من المفترض في النخب أن تضحي بالماديات من أجل المثل العليا. والعامل الثالث يرجع إلى المستعمر الغربي المسئول مسئولية كبيرة عن تردي الوضع العربي ليس السينمائي فحسب، بل إنهم مسئولون عن الوضع اللاأمني السائد في العالم الآن. هل هذا هو ما دفعك للهجرة لإيطاليا؟ طبعا .. فلم يكن لي مكان في وطني للعمل .. وكانت إيطاليا ملجأي لكي أثقل أدواتي الفنية وأكون قاعدة للانطلاق.. فإيطاليا هي الواقعية .. إيطاليا روسيليني .. فيسكوتي .. بازوليني .. إيطاليا المقاومة والتاريخ .. إيطاليا 80% من المخزون الفني العالمي. حدثنا عن تلك الفترة.. هناك درست السينما وعملت في كل مجالات العمل السينمائي من ديكور وتصوير ومونتاج وإنتاج ....الخ. وقدمت عدة أفلام روائية وتليفزيونية، ولكنها لم تكن تعبر عني 100% لأنني لم أكن فاعلا فيها، بل فقط معاونا لمخرجيها في توصيل رؤيتهم. فقد كنت أبحث عن تكويني المهني، فعملت بكل عناصر السينما. وما أكثر قسم وجدت فيه نفسك؟ لقد جئت إلى السينما من الأدب والكتابة في الأساس. وأعتقد أن كل عناصر السينما مجتمعة تكون لغة واحدة. فلا يمكن أن تكون سينمائيا دون أن تدرك أهمية اللون أو قيمة الملابس أو الماكياج أو البعد في التكوين.. وهذا ما كنت أدرسه طوال فترة وجودي بإيطاليا ، فقد كنت أجالس السينمائيين الإيطاليين الكبار، وانتقد المخرج بسبب عدم وعيه بجزئية ما قد تكون صغيرة ولكنها مؤثرة على العمل في صورته النهائية، ولذلك حاولت أن أكون ذلك المخرج المثالي بالنسبة للسينمائيين (اللامخرجين) مثل مديري التصوير والمونتيرين ..الخ، الذين قد يضرهم عدم دراية المخرج بتفاصيل عملهم. ولهذا حاولت أن أكون خلفية كاملة عن كافة المهن السينمائية وهو ما أفادني بالطبع. فقد كتبت فيلمي بالكامل وساهمت في التصوير والمونتاج والملابس. وهل قمت بذلك كي يحمل الفيلم صبغة "محمد عسلي" دون تدخلات خارجية؟ لا أبدا.. فقد كنت أطلب المساعدة من الآخرين. ولكن كنت أحاول أن أقرب لهم الصورة التي رسمتها في مخيلتي، ولم يكن ذلك ليحدث دون أن أخاطب كل منهم بلغته الخاصة، فإذا كان عالمك في السينما هو الملابس مثلا، فأنت لا تدركين العناصر السينمائية الأخرى، ولكنك تحملين جزءا من الصورة الكاملة للفيلم، ومدير التصوير يحمل الجزء الخاص به .. وهكذا. أما المخرج فهو من يحمل داخله الصورة المتكاملة للعمل. هل خرج الفيلم مطابقا لما فكرت فيه من قبل؟ نعم .. بنسبة تصل إلى 90%، أما العشرة بالمائة الباقية فهي راجعة لعوامل أخرى.. فعلى سبيل المثال ، تم تغيير نهاية الفيلم لكي أحافظ على البناء الدرامي له، فقد كانت النهاية هي لقطة للحصان يجري، ولكنها تغيرت بأن سبقت مشهد الحصان على مشهد الموت. ولكن بشكل عام أنا راض تماما على الفيلم بصورته النهائية. ذكرت أنك كنت تعلم منذ البداية أنه فيلم جيد جدا .. كيف كنت متيقنا من جودة الفيلم؟ كنت على يقين من أن الفيلم سيكون فيلما جيدا لأنني كنت حرا طليقا في كل مراحل عملي به، كنت أبحث عن إرضاء نفسي فقط ، لم أكن أبحث عن مال أو جاه أو إرضاء شخص ما. كنت انتقم لامرأة ألقي بها على قارعة الطريق دون ذنب. وعندما كنت أصعد الدرج الأحمر بمهرجان كان لاستلام الجائزة قلت لزوجتي: لست أنا صاعد الدرج الآن بل هي المرأة التي ألقيت بالطريق. هل توجد صعوبة لانتشار الفيلم المغربي؟ أرى بشكل عام أن الفيلم الجيد يمكن أن يصل إلى أي إنسان في أي بقعة من بقاع الأرض. ولكن الوضع ليس كذلك في الوطن العربي حيث أن الجيد ممنوع. أعني بسؤالي اختلاف الوعي الجمالي لدى السينمائيين المغاربة الذين تأثروا بالمدارس السينمائية التجريبية في البلاد التي تعلموا فيها..
لست متفقا مع هذا الرأي. فالتكوين الفني المغربي تكوين سليم، لأن ما تلقاه الفنانون المغاربة سواء في فرنسا أو بلجيكا أو بولونيا أو روسيا ، كان سليما من الناحية التقنية، وهي فقط وسيلة لتوصيل ما بداخلهم من أفكار ومشاعر. أما عن كيفية استخدامهم لما تعلموه فتلك هي الإشكالية. فالمشكلة ليست في أين تعلمت السينما، ولكن في كيف تستخدم ما تعلمته لتعبر عن رأيك. والسينمائي الشرقي وتحديدا المصري ينتج الآن أعمالا لها سمعتها السيئة ومستواها الهابط، وهذه الأعمال تسيء للجمهور العربي أكثر مما تقدمه الفرانكفونية، لأنها ساهمت في تخريب الإنسان العربي. ولكن بالطبع هذا الكلام لا يجوز على أفلام "محمد خان" أو"عاطف الطيب" أو "خيري بشارة" وغيرهم .. فهؤلاء هم الضمير الحي الذي نعتز به ونحرص على تواجده ونموه لمقاومة الفن الهابط. من من المخرجين تعجب بأعمالهم؟ من مصر "محمد خان" لأن همه إنساني مثل همي. فهو إنسان يهتم بمجتمعه وليس بالنجوم والنجمات..وهو ملتصق بواقعه ويحاول تطويع أدواته الفنية لخدمة فنه. أيضا أعشق أعمال الراحل "عاطف الطيب"، ومن سوريا "محمد ملص". ومن المغرب؟ ولا واحد.. ولكن هناك أمل في مخرجة شابة هي "ياسمين قصاري" التي أتمنى أن تكون على مستوى المسئولية. ولكن بصفة عامة.. لا يمكن لأي سينمائي عربي أن يكون له مقام دون أن تكون له قضية. ونحن قضيتنا الأهم الآن هي قضية البقاء.. فنحن مطالبون بالدفاع عن بقائنا الثقافي والفكري والديني والحضاري.. فهذه مسئولية أعطاها لنا جدودنا يجب أن نتممها لغاية إقامتنا فوق الأرض. ما رأيك في الأفلام المصرية الآن؟ اعتبرها حلقات من مسلسل بعنوان "تغييب الشعوب العربية" ما الذي تحتاجه الوجوه السينمائية العربية الشابة كي تدعم موقفها سينمائيا؟ أقول لكل شاب : ابحث عن إمكانياتك وقدراتك الخاصة .. فإما أن يكون لك دور أو تخرج من الملعب وتلتزم السكوت.. ولكن لا تذهب للصف الآخر مبررا ذلك بالحاجة. فعلى كل فرد فينا أن يجد طريقته للمقاومة من أجل البقاء. فأهلنا سلمونا أمانة يجب أن نحافظ عليها .. سلمونا لغة وثقافة ودين وانتماء .. كيف يمكن للفرد أن يخون أبيه وأمه؟؟ البعض يرى أن الإعتماد على نصوص أدبية يثريه فنيا.. بينما يفضل آخرون الكتابة المباشرة للسينما .. ما رأيك؟ قد يكون للأدب علاقة بالسينما ، ولكن السينما نوع من فنون التعبير له أدواته الخاصة.. والاعتماد على نص أدبي ليس معيارا لقياس جودة الفيلم. وسبب جودة الأفلام المصرية التي اعتمدت على نصوص أدبية هو أن هؤلاء الكتاب كانت لهم مواقفهم الفكرية والسياسية التي يعبرون عنها ، و كانت لهم قضية. أما بالنسبة للسينما الإيطالية مثلا فأغلب الأفلام كتبت خصيصا للسينما، نفس الأمر بالنسبة للسينما الفرنسية والأمريكية. ولا أحد يمكن أن ينكر قوة وجودة تلك الأفلام. فالمعيار الذي نقيس به جودة الموضوع السينمائي هو القضية التي يطرحها الفيلم سواء كانت مكتوبة للسينما مباشرة أو مأخوذة عن نص أدبي. لماذا كان طاقم تمثيل الفيلم من الهواة؟ اعتمدت بالفيلم على اثنين فقط من المحترفين أما بقية الممثلين فكانوا من الهواة . لأنني شعرت أنه لو تمت الاستعانة بمحترفين في هذه الأدوار لضاعت قوة التعبير. فمثلا اخترت فارسا حقيقيا ليؤدي دور الفارس العربي ، وكانت علاقته بحصانه علاقة قوية جدا بالفعل كما كانت بالفيلم، حتى أنه رفض أن نستخدم بديلا عنه في مشهد السقوط من على الحصان واضطر للسقوط أكثر من مرة دون كلل. أخيرا أرغب في أن أعرف طموحاتك للمستقبل؟
أطمح في أن أعيد الاعتبار إلى صورة تستحق الاحترام ، لطخت داخليا وخارجيا. فأنا انتمي إلى عالم جميل.. وعندما أتأمل الإمكانيات البشرية العربية أتحسر على التعتيم الذي يعاني منه الإنسان العربي والثقافة العربية.
حاورته في القاهرة : مروة عبد الله
محمد عسلي مخرج فيلم " فوق الدار البيضاء الملائكة لاتحلق