موضوع: لقاعات السينمائية تحولت الى أوكار للدعارة! الثلاثاء يونيو 30, 2009 10:16 am
كانت فضاءات تستقبل المئات من البيضاويين في ساعات كانوا يلبون نداء داخليا يتردد اسمه حب السينما، كل يوم يجسد مناسبة للمسؤولين عن الشبابيك لاستقبال وجوه مختلفة يكتشف في قسماتها وضعيتهم وانتماؤهم الاجتماعي، تقاسموا في زمن جميل من زمن السينما في المغرب حرارة الفضاء رغم بساطة التجهيزات. وبعيدا عن المشاكل الطارئة والمستساغة في ذلك الزمن، كان هناك ود متواصل بين المشاهد المغربي وقاعاته السينمائية التي يجد فيها البعض حضنا وفيا يصعب فراقه.
كانت تلك ذكريات من ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، صارت نسيا منسيا وصار لواقع القاعات السينمائي صورة أخرى، لأسباب- بنظر مهتمين ومتتبعين لمسار السينما في المغرب- متداخلة بين مسؤولية السلطات المحلية في دعم القاعات وتفعيل قوانين حقوق التأليف وحماية المنتوج ومحاربة القرصنة وبين نجاح أو فشل المركز السينمائي المغربي في إنعاش هذا الواقع، في ظل الحديث عن استراتيجية واضحة المعالم وقابلة للتطبيق، دون نسيان طرح السؤال حول مسؤولية المتلقي في تراجع القاعات السينمائية.
قاعات سينمائية تحولت إلى أطلال في وسط الدار البيضاء مدينة السينما والسينمائيين وعشاق السينما، تقف أطلال سينما «أوبرا» شاهدة على الآلاف من محبي السينما الهندية الذين كانوا ضيوفا عليها، كانت «أوبرا»، التي اعتصم عاملوها بعد شهور من عدم تلقيهم أجورهم، قبل أن تقرر إدارتها إغلاقها، رديفا للإيقاعات الهندية، إذ بمجرد ما ينطق الشخص اسم «أوبرا»، حتى يعرف محاوروه أنه من عشاق «الشاعر» و«لشاشي كبور» و «دراموندرا»... ويتأكد مستمعوه أنه من عشاق أفلام «مارد» و«أمنا الأرض» و«دوستي»، بهذه الكلمات يحكي حارس سيارات قريب من فضاء سينما «أوبرا» الذي تحول الآن إلى ما يشبه فضاء لرمي القمامة. وغير بعيد عن ذلك، يحكي شاب من أبناء المدينة العتيقة البيضاوية، عن ذكريات قاعات سينمائية هجرت المدينة القديمة إلى غير رجعة، «كان أبي يحكي عن أفلام شهيرة عالمية عرضت هنا، وكان يحكي عن صور «كيغك دوغلاس» و«جون واين» و»تيلي سافالاس»... على شاشات سينما «أمبريال» و»فيكتوريا» دون أن ننسى سينما «مدينة» التي غنت بها كوكب الشرق أم كلثوم والبلبل الحزين فريد الأطرش وسينما «المغرب» التي هدمت وتجرى هذه الأيام عملية بناء فضاء آخر بدلا منها، يحكي عن فضاءات تحولت إلى أطلال حزينة هجرها أهلها، كانت هذه القاعات تجلب الآلاف من الجمهور البعيد عن المدينة القديمة وكان لها سحر خاص يسمع صداه الآن مع الآباء والأجداد».
سينما «الكواكب» مغلقة «من منا، من البيضاويين من لا يعرف سينما «الكواكب» التي احتضنت بداية انطلاق السينما المغربية، في هذا الفضاء كان يجرب الراحل محمد عصفور في سنوات الخمسينات إمكانية أن يجعل للمغاربة «سينما» بمواصفات مغربية بسيطة، سينما الكواكب شاهدة على تاريخ مهم من تاريخ السينما المغربية رغم ما يقوله البعض، هي سينما تحتفظ بذكريات الحاج فنان وحسن الصقلي وعبد العظيم الشناوي وصلاح الدين بنموسى... وبصرف النظر عن ارتباط اسم عصفور بهذه السينما، فقد كان لأبناء الأحياء الشعبية (بوشنتوف، درب الشرفاء، درب الفقراء، درب الكبير، درب البلدية، درب بلعاليا...) اللقاء مع الأفلام المغربية الشهيرة إلى الدرجة التي جعلت هذا الفضاء قرينا لأسماء تألقت في دنيا السينما المغربية»، بهذه الكلمات يتحدث رجل(ع، ف) عن ذكريات طفولته وشبابه، بالقول «الكواكب صارت الآن ذكرى من زمن ولى، توقف النبض الجميل بعد مشاكل متعلقة بمداخيل القاعة واقتصر نشاطها على احتضان السهرات الفنية الأمازيغية والعروض الطفولية، مع أمل جميل يعبر عنه العديد ممن حاورتهم «المساء» بألا تهدم سينما أو تحفة تشكل ذاكرة للبيضاويين والمغاربة أو أن تتحول إلى مشروع تجاري مستقبلا، كما حدث بالنسبة للعديد من القاعات السينمائية القريبة منها». ويذكر أحد أبناء هذه الأحياء الشعبية أن هذه المنطقة التي أنجبت العشرات من الممثلين المغاربة فقدت في فترات زمنية متباعدة العديد من القاعات السينمائية التي يحتفظ بذكرياتها الشباب والشيوخ، من بينها على سبيل المثال لا الحصر: سينما الأمل، سينما موريطانيا، سينما الزهراء، سينما الكواكب، سينما الشاوية، سينما شهرزاد، سينما البيضاء، سينما الباهية... إلى جانب إغلاق قاعات سينمائية قريبة من هذه الأحياء من بينها سينما العثمانية وسينما الرياض وسينما الصحراء .
قاعات تحولت إلى أوكار للدعارة
بلغة متحسرة، يتحدث باعة متجولون في قيسارية «الحفاري» في الحي الشعبي درب السلطان عن أسرار سينما «موريطانيا» الشهيرة، «أتذكر أننا كنا نقف لعدة ساعات لنتمكن من الدخول إلى قاعات السينما، رغم استعدادنا لأداء ثمن التذكرة بشكل مضاعف، إلا أننا كنا ننتظر في طابور من عشرات الأشخاص قد يتجاوز أحيانا طوله مائة متر، حتى نتمكن من شراء التذكرة، وأتذكر أنه في بعض الأحيان يشرف رجال القوات المساعدة مستعينين بـ«الهراوات» في ضبط النظام، كانت ذكريات جميلة»، يقول أحد الشباب. ذكريات من الثمانينيات ستتغير ابتداء من سنة 1997، تاريخ تعرض مدينة الدار البيضاء للفيضان الذي أدى إلى انهيار العديد من البنايات في حي «كاريان كارلوطي»، ووصل تأثير المياه إلى شاشة سينما «الزهراء» التي عمد أصحابها إلى إصلاحها في بداية الأمر، قبل أن يقرر صاحبها بيعها لممون حفلات، كما نال الفيضان من كراسي ومرافق سينما «موريطانيا». ويحكي الشاب (أ، ع) أن القاعة لم تعرف عملية إصلاح لعدة سنوات، وهو ما أفضى بالسينما التي لم تكن تقدم إلا الأفلام الهندية، دون إدراك أصحابها إلى وكر للدعارة، يقصدها المدمنون على الخمر والمخدرات وترتادها أحيانا عاهرات يصطدن الضحايا في فضاء قريب من السينما، لم يكن إلا ساحة «السراغنة»، ليتبادلوا داخل قاعة السينما الكثير من الأسرار والحاجات «الطارئة» والمؤدى عنها في غالب الأحيان، قبل أن يقرر صاحب القاعة إغلاقها ولتظل بعض «الأفيشات» التي لازلت معلقة، شاهدة على آخر الذكريات الهندية وشاهدة على قاعة تجذب المئات من الجمهور بشكل يومي».
من المسؤول عن إقبار القاعات السينمائية؟
من المسؤول عن هذه الحالة الخطيرة التي تنبئ بالأسوأ؟ هو السؤال المؤرق الذي لا نجد له جوابا، فناقد رفض نشر اسمه يعتبر أن المركز السينمائي ليست لديه رؤية واضحة في الموضوع، مع ارتفاع إغلاق القاعات السينمائية وتضاعف المهرجانات، «أنا أتساءل عن السر وراء إقامة مهرجانات في مدن لا تتوفر على قاعات سينمائية ولا يتم التفكير في تخصيص هذه المبالغ في إنشاء قاعات جديدة أو تخصيص ميزانية في دعم الخواص وتشجيعهم للانخراط في العملية، قد يقول إنه تم دعم إنشاء مركب سينمائي بالدار البيضاء، لكن هذا المركب غير مفتوح أمام الفئات الشعبية، فلكي يتابع رب أسرة فيلما رفقة ابنين فقط يحتاج إلى 600 درهم، وهذا رقم مهم، إذا فالحديث عن تحقيق أهداف الدعم غير منسجم. من جهة أخرى، فالقاعات التي مازالت تشتغل تعاني من غياب الصيانة وبنياتها أصبحت مهترئة، فالدعم في نظره يجب ألا يكتفي بإعفاء القاعات التي تم تجديدها من الرسوم الضريبية لعدة سنوات، والمطلوب برأيه هو تقديم دعم مباشر، لاسيما للقاعات السينمائية المغلقة التي لم تتحول بعد إلى فضاءات تحتوي أنشطة غير سينمائية. في هذا الإطار، يقول خالد النقري، الكاتب العام للجمعية المغربية لمحاربة القرصنة، إن حالة العديد من القاعات المهترئة (شهرزاد، الرياض...) ساهمت في تنفير المتلقي الذي أصبحت صورة القاعات السينمائية لديه رديفة للامبالاة واحتقار المشاهد، وهذا أمر مازال يؤثر إلى حد الساعة.
القرصنة شبح القاعات السينمائية ربط العديد من المهتمين تراجع القاعات السينمائية بالمغرب إلى ارتفاع حدة القرصنة، إذ بمجرد ما يخرج العمل إلى دور العرض، حتى يجد المخرج نفسه أمام آلاف النسخ المنتشرة في الأحياء في زمن قياسي، وأحيانا تتم قرصنته قبل أن يمر إلى عملية المونطاج النهائية، حالة لا تستثني أي فيلم مغربي أو مصري أو غربي، مع إعطاء الأولوية للفيلم المغربي والعربي. وفي ضوء هذه المعطيات يجد المتلقي نفسه أمام أقراص مدمجة تحمل له آخر إنتاجات السينما المغربية والعربية والعالمية، وهذا يفرض أن تكون القاعات قادرة على المنافسة ببث الأفلام في وقتها، في هذا الإطار، يرى خالد النقري أن فكرة تأخر القاعات السينمائية في عرض الأفلام لشهر أو شهرين أصبحت غير مطروحة، على أساس أن الشركات العالمية أصبحت تعتمد توقيتا واحدا لطرح العمل في كل الدول. وهذا قول مقبول -بنظر آخرين-، فقط إذا كانت قاعات الأحياء الشعبية قادرة على اقتناء الأفلام الجديدة، وإذا كان المتلقي المحدود الدخل قادر على المغامرة بـ100 درهم أو 200 درهم نظير فيلم، يمكن أن يتابعه بـ5 أو 8 دراهم على أبعد تقدير.
غياب استراتيجية لحماية القاعات السينمائية مع ازدياد إغلاق القاعات السينمائية الذي وصل إلى حالة قياسية، وبالموازاة مع تراجع الإقبال الجماهيري على هذه الفضاءات، يصير طرح السؤال:«إلى أين تسير القاعات السينمائية؟» أمرا ملحا. في هذا السياق شدد خالد النقري على وظيفة التحسيس بأثر القرصنة من خلال تكريس ثقافة احترام حقوق الآخر، وذكر أن عمليات محاربة القرصنة أدت منذ سنة 2005 إلى مصادرة 6 ملايين و342 ألفا و204 أقراص مدمجة، كما أن الفترة الفاصلة بين سنتي 2008 و2009 أدت إلى مصادرة وإتلاف مليون و458 ألفا و280 قرصا، «أعتقد أن أكبر مكسب هو متابعة أشخاص وتغريمهم 830 مليون سنتيم، وضبط آلة نسخ قادرة على نسخ 600 ألف نسخة بشكل يومي»، وعلى الرغم من كل هذا، نحن نؤكد على ضرورة استمرار تفعيل النصوص القانونية بحماية الحقوق الفكرية والحقوق المجاورة. إلى جانب ذلك، يرى النقري أن الحد من تراجع عدد القاعات السينمائية ينسجم مع ضرورة وضع استراتيجية واضحة المعالم، تنطلق بدعم الإجراءات الضريبية المتعلقة بالقاعات، وتفعيل العقد البرنامج بين المركز السينمائي المغربي والحكومة الذي من خلاله يمكن أن تنشأ 100 شاشة سينمائية في حدود سنة 2012. و طالب خالد النقري بتشجيع الاستثمار في هذا المجال بتقديم تسهيلات في البقع الأرضية، مع تأكيد جهات أخرى أن هذا المطلب الأخير يفرض على الجهات المسؤولة متابعة مدى خضوع المستفيدين لشروط وأهداف الدعم، من خلال عرض الأفلام بسعر مقبول ومتاح أمام الجميع وعدم تحويل المشروع إلى فضاء آخر تحت أي ظرف من الظروف. أمام ارتفاع حدة إغلاق القاعات السينمائية المغربية، يطرح متتبعون لمسار السينما سؤال: «ألم يحن الوقت بعد ليتحمل كل من المركز السينمائي والحكومة مسؤوليتهما كاملة في دعم العملية التواصلية السينمائية بما في ذلك حماية القاعات السينمائية؟ وأليس من الأجدر أن تخصص ميزانيات المهرجانات في إنشاء فضاءات سينمائية جديدة، لاسيما في المدن الصغيرة التي تحتضن مهرجانات كالمحمدية، والعيون والداخلة وزاكورة، مارتيل....؟
تراجع عدد القاعات من 245 قاعة سنة 1980 إلى 51 سنة 2009 تشهد القاعات السينمائية في مختلف المدن المغربية تراجعا حادا، وأسر مصدر مقرب من المركز السينمائي المغربي بأن عدد القاعات السينمائية حدد سنة 1980 في 245 قاعة في المغرب، بدأ بالتراجع بشكل تدريجي، وعرفت سنة 2004 إغلاق 4 قاعات، في حين عرفت سنة 2005 إغلاق 15 قاعة وأغلقت 26 قاعة أبوابها في سنة 2007، وأكد المصدر أنه ما بين 2007 و2009 أصبح المغرب يتوفر على أقل من 70 قاعة سينمائية. وهو رقم قريب إلى حد بعيد من الرقم الذي قدمه موقع المركز السينمائي المغربي، فوثيقة المركز تحصر عدد القاعات المشتغلة إلى حدود الثالث من يونيو 2009 في 51 قاعة، في حين أن عدد الشاشات إلى حدود التاريخ السالف الذكر وصل إلى 75 شاشة. تراجع في القاعات وازاه تراجع في عدد الوافدين على هذه الفضاءات، وذكرت المصادر أن سنة 1980 حققت عددا مهما لمرتادي القاعات السينمائية بلغ 45 مليون تذكرة بساكنة تصل إلى نصف الساكنة الحالية، وفي مقابل ذلك أقفلت سنة 2007 على رقم بعيد جدا عن رقم الثمانينيات حدد في 3 ملايين و376 ألفا و452 تذكرة، بتراجع قياسي، في وقت ارتفعت فيه نسبة الساكنة في المغرب». في هذا الإطار، يمكن التذكير بأن مدن كبيرة من حجم ورزازات التي تصنع فيها السينما والداخلة والجديدة وأزمور... لا تتوفر على قاعات سينمائية، لأسباب غير واضحة المعالم. توفيق ناديري