كنت أصمت واذعن لمصيري . أحمل دميتي , أنزع ملا بسها , أشد شعرها, أصرخ في وجهها : " لم تحافظي على نفسك , اياك أن تخبري أحدا بالأمر . "
و ذات مرة ضبطتنا شقيقتي خديجة بالجرم المشهود . سحبتني من ضفيرتي الطويلة كالدواب أخذت تبحث عن شيء موجود بين فخذي . كلهم يريدون ذلك الشيء الموجود بين الفخذين .
تبحث , تبحث . بعدها تأخذ عصى و تضربني على مؤخرتي بعنف , بجنون ..بجنون.. جنون . أتأوه , أصرخ تأتي والدتي تضرب فخذيها بكفيها , تأمرني بالاغتسال , اسمعها تتهامس مع خديجة , لا أميز سوى بعض الجمل المقطعة :
- قحبة من دابا ؟ منين خرجت ليا ؟
أخضع للذل للاستنطاق :
- منذ متى يحدث هذا ؟
--...............
- هل هذه أول مرة ؟
- ……..
تتوالى الصفعات على جسم لا يتعدى السادسة . أتلوى من الألم :
- لماذا لم تخبرينا ؟
(الخوف .الخوف يعقد اللسان . عندما أخبرتك أمي كويت فخذي . لماذا لم تضميني اليك كما فعلت المرأة الفرنسية ؟ لماذا ؟)
تشدني خديجة من شعري و تقول :
- سأسجنك في المرحاض بلا ضوء .
أتوسل اليها . أقبل يدها. تسحبني بقوة . تأخذني الى مرحاض لم نكن نستعمله كثيرا . كان مظلما , مخيفا . أبكي , أشعر بالرعب .
كنت ساعتها طفلة عوقبت على جريمة لم أرتكبها . أما " قدورالقذر" فلم تجرؤ والدتي حتى على سبه أواخبار أبي بالأمر . كأنني التي أغويته . كيف لطفلة مثلي أن تغوي شابا مثله ؟ كيف يفكر هؤلاء ؟ أليست لديهم مادة رمادية متواجدة في منطقة ما من تلك الجماجم المتعفنة يفكرون بها؟
لم يكن بمقدوري سوى الهروب الى عالمي الخاص : الى الحلم . أتخيلني وقد كبرت فجأة . عندما كان الكبار يسألون الصغار عما يريدون أن يكونوا في المستقبل , كان الجواب دائما واحدا من اثنين : اما أطباء أو معلمون.
لكن لم أكن أعرف بما أجيب , لأنني لا أعرف بالضبط ماذا أريد . كلما أعرف هواني كنت أعشق السفر. أتخيلني و قد سافرت بعيدا بعيدا جدا . أحلم أن لي طفلة أضمها الي , أمنحها الحب والحب و فساتين كثيرة و لعبا . أبدا لن تكون أقل من الاخريات , لن أنهرها , لن أكوي فخذها بل سأخفيها عن العيون القذرة.لكن أبدا لا أحلم بزوج . لم أكن أستطيع أن أتخيلني عروسا بفستان أبيض . حاولت مرارا تخيل شكل العريس فيتراءى لي وجه " قدور القذر" , أستفيق من .. من حلمي مرعوبة على واقع أشد رعبا .
تمر الايام ومن حين لآخر كانت تأخذني والدتي لتلك المرأة , بسبب و بدونه لتتأكد من أن ذلك الشيء مازال في مكانه .. وأن الطبق لم يكسر بعد . يتكرر سجني في المرحاض , أحببت السجن , كان يمنحني فرصة للانفراد بنفسي والسفر بعيدا بعيدا في عالمي الرائع الذي صنعته من مخيلتي .
كنت أغضب من والدتي , لماذا تترك غريبة تفعل بي ذلك ؟ ألم تكن تنهاني عن لمس ذلك المكان؟ أتساءل لماذا تغضب والدتي و تزجرني اذا ما ضبطتني ألمس ذلك المكان أواحكه ؟ ذلك المكان ؟ أو ليس له اسم ؟ أو ليس شيئا يخصني ؟ لماذا لم نكن نستطيع ان نتكلم عنه بحرية كأي عضو من أعضاء الجسم ؟ كالأنف , اليد , الرأس ؟ ثم لماذا لا تغضب والدتي اذا ما رأت شقيقي يلمس قضيبه ؟ عندما كنا نذهب الى الحمام للاستحمام كانت والدتي تصر أن أغطي ذلك الشيء بلباس داخلي , في حين أنني كنت أرى نساء واطفالا غيري لا يخفين ذلك الشيء الممنوع والمليء شعرا بشكل مقزز . وعندما كانت تضبطني والدتي أنظر اليهن , تزجرني بقولها " الله يعطيك العمى " .
كبرت فجأة . لم أعد كالأطفال , لأني أعرف أكثر منهم , ولانه حدثت لي أشياء لا تحدث للأطفال عادة . كنت أحس أني ملوثة . قلبي وحياتي أصبح بهما بقع سوداء كثيرة . ورغم أن السنين مرت فأنا أدين كل الذين أهانوا آدميتي و صادروا طفولتي .
أصبحت ممنوعة من اللعب خارج البيت. من البيت الى المدرسة و . وفي وقت الفراغ ألعب بدميتي وحدي .
في بعض الأحيان تأخذني والدتي الى " المدينة القديمة " نزور جدتي العجوز أو نتمشى في " الملاح " . لم أكن أحب زيارة جدتي ولا الذهاب إلى الملاح حيث الزحام . لا أرى شيئا من الآشياء المعروضة . زحام , صراخ الباعة , ووجهي ملتصق بظهور ومؤخرات الناس . والدتي كانت تسحبني كالدابة .
حاولت كثيرا التمرد , لكنها تصر أن أرافقها حتى لا أبقى وحدي في البيت و يأتي " قدور القذر" و …
وصلت سن الثانية عشرة . أصبح لي نهدان بحجم حبة الحمص تؤلمانني , و شعيرات ظهرت تحت الابطين وفي منطقة العانة . في يوم دخلت المرحاض لأتبول , وجدت نقطة دم في لباسي الداخلي .شعرت بالأرض تميد بي . بكيت في صمت. لم أفهم ماذا يحدث ؟ هل هذا يحدث لكل النساء أم لي وحدي ؟ هل أخبر والدتي ؟ و صرخ كل عضو في جسمي " لا " . هذا الدم نزل من تلك المنطقة الممنوعة . ستقول والدتي ثانية أنني لم أحافظ عليه . والدتي لن تضربني اذا نزف الدم من أصبعي , لكنها حتما ستعلقني من مؤخرتي اذا ما علمت أن الدم نزل من بين الفخذين . ان الله بالتأكيد يعاقبني على شيء فعلته , وأخذت أحاول أن أسترجع في ذاكرتي كل ما فعلته خلال ذلك الأسبوع أو الشهر . لا شيء . فحتى " قدور القدر" لم يلمسني هذا الشهر . ان الله يكرهني . هكذا فكرت . وبكيت وحدي . والتزمت الصمت . غسلت لباسي الداخلي . لم يخبرني أحد من قبل أن من علامات البلوغ عند الفتاة , نزول دم الحيض . كل شيء حشومة , عيب , هراء , هراء , تخلف .
في يوم مابعد الظهيرة , لم أكن أدرس . كنت أفكر فيما يمكنني فعله. أنجزت تماريني , حفظت دروسي التي كنت أنساها فور حضور أخي الأكبر. ليست لي صديقات. وحتى ان كان لي , فوالدتي ستمنعني من زيارتهن . مللل , ملل . جاءت شقيقتي الكبرى و قالت جملة واحدة:
- هيامعي. وسحبتني من يدي .
وفي الطريق قالت لي :
- سأشتري لك " الزريعة " و " كاوكاو" .
فرحت.
- وسأشتري لك " حلوة لاكريم "
فرحت أكثر . لكن لماذا كل هذا ؟
- و .. أنت لم تعودي صغيرة , كبرت الآن .
انني أكبر متى يريدون واصغر حسب أهوائهم وأمزجتهم . ما عليناش . انها تنوي قول شيء و تمهد له .
استجمعت قواها وقالت:
سنذهب للسينما .
فغرت فمي دهشة . اتسعت عيناي . تسمرت مكاني :
- سي..نما
- ايه , هناك فيلم هندي بالألوان . أنت لم تري الأفلام الهندية الملونة , جملية وشيقة , سترين , سيعجبك الأمر .
- وابي ؟
- ماذا به أبي ؟ لن يرانا أحد .
ورفعت سبابتها في وجهي , ( أكره من يرفع سبابته في وجهي)
- اياك أن تخبري أحدا بالأمر .
السينما كانت من المحرمات . كانت أمي تقول : بنات الشوارع والساقطات هن من يذهبن للسينما . و لم نكن نجرؤ أن نمر أمامها .
دخلنا . كنت اشعر بالخوف . الظلام , أرتطم بالكراسي .جلست , لم أكن مرتاحة في جلستي . ضحكت أختي , اذ كنت أجلس على الكرسي مغلقا. فتحته أختي و شعرت بالارتياح . رأيت الفيلم , كنت مندهشة . بكيت و كنت أسمع اسمع البكاء والنحيب في كل القاعة . واكلت " الزريعة " و كاوكاو". و من حين لآخر كنت أسمع " طق مق ". التفت , كان هناك جسمان ملتصقان غارقان في بحر القبل و ..الآن عرفت لماذا كانت والدتي تقول أن السينما لا يرتادها الا الساقطات. انتهى الفيلم. رأيت فتيات يصلحن ما فسد من هندامهن بفعل أشياء غير لائقة. و في طريق العودة قالت أختي :
- أين كنا ؟
- في السينما . أجبت بعفوية .
جن جنونها .
- لقد كنا في الملاح . أين كنا ؟
- في الملاح , في الملاح .
من جملة الأشياء التي مازالت محفورة في ذاكرتي: منظر والدي و هو يضرب والدتي . كان يضربها بسبب ومن دونه. يضربها بعنف و كنا نختبئ – نحن الأبناء- في احدى الغرف . نبكي . لم نكن نجرؤ حتى على التوسل. كانت أمي تبكي و تستغيث ولا من مغيث . كنا عاجزين . نخاف أبي وجبروته و نحب أمي ولانستطيع لها شيئا .
يظل أبي يقاطعنا شهرا واكثر. يأتي من العمل يقفل عليه غرفته. لا يأكل من أكلنا أي شيء . يصبح الجو مكهربا و كئيبا . لا أحد ينطق ببنت شفة. نتكلم بالاشارات فقط . وجهاز التلفاز بلا صوت , نرى الصور فقط . اختناق .
كانت خديجة تقول لوالدتي :
- لابد انه سحر . هذا مؤكد .
- الله ياخذ فيهم الحق . لكن لماذا يسحرون لي ؟
- يحسدونك على أبي .
- فليأخذوه . لا أريده . سامحت ليهم في حقي فيه .
- يجب أن نفك السحر. غدا سأذهب عند شواف يهودي في المدينة القديمة لمعرفة من له المصلحة في ذلك .
تتردد والدتي تبدو عليها الحيرة, تقول أمينة :
- يجب أن نعرف من له المصلحة في شتات شملنا.
تستجمع والدتي قواها:
- اذهبي لكن خذي معك أختك.
و في الغد أذهب مع أختي . لكن ليس الى الفقيه. نشتري " الزريعة " و " كاوكاو " و نذهب الى السينما " فيردان " , نرى فيلما هنديا آخر . و بعد انتها ء الفيلم تقول أختي .
- اين كنا ؟
- عند الشواف .
- عظيم حفظت الدرس . والشواف أعطانا هذا .
تخرج من بين نهديها ورقة مطوية على شكل " حجاب " .
- من أين أتيت به ؟ أسألها .
- صنعته وحدي .
و في البيت تختلق خديجة حكاية عجيبة .