اصفر وجه خديجة :
- حسنا . أنا أستاهل , أنا حمارة , هيا بنا .
و بلا مبالاة قلت :
- اذن هيا بنا الى البيت فلنعد.
ترددت بدت على وشك الانفجار :
- أقسم لك سأفي بوعدي .
ذهبت. و فهمت أنها لا تذهب عند " الأخوات المسلمات " ولا يناقشن أمور الدين أو يشرحن سورة " الفاتحة " . انها أمية تفك الخط بصعوبة ولا تعرف الظهر كم ركعة فيه . انها تذهب عند رجل , لا ليس رجلا واحدا , بل رجالا كثيرين , و تأتي محملة بأشياء كثيرة : جبنة , حلوى , مناديل مطرزة ... تسألها والدتي فتقول : صديقتي " الاخوانية " أعطتني كل هذا , ظريفة مسكينة . تفرح أمي كالأطفال . تعطينا خديجة نصيبنا من الحلوى والجبنة ولا تترك لنفسها شيءا . تقول بطيبوبة : لقد أكلت الحلوى والجبنة حتى طلعات ليا هنا , و تشير الى رأسها .
أبتسم في سري . يا ابنة الكلب . والدتي تصدقها. ببساطة لا يساورها الشك في ابنتها المهدية المرضية.
و تشتري لي سروال " الجينز" و " الحذاء الرياضي " و فساتين كثيرة , ملابس جديدة , جلابيب , حلي كثيرة ذهبية مخزنة في الخزانة , ولا أحد يسأل من أين لك هذا ؟ ليست موظفة ولا أي شيء ولا أحد يسأل . والدي يعطيها مصروف البيت , أعرف والدي شحيحا. كل ما يعطيها يكفي بالكاد لشراء ربع كيلو لحم و بعض الخضراوات. هو يصرف بسخاء حد الاسراف اذا كان هناك ضيوف . يفعل ذلك للتظاهر فقط . و مع ذلك رغم المصروف القليل تأتينا بالفاكهة أشكالا والوانا , الدجاج , المشروبات الغازية , الحلوى و... هل كانت ذكية لدرجة استغفلت معها الجميع ؟ أم كانوا أغبياء ؟ أم كانوا يفهمون ويصمتون ؟ أذكر أنها اضطرت لاستئصال الزائدة الدودية , و تكلفت أختي أمينة بالمصروف . احتارت المسكينة فالمصروف لم يكن يكفيها لشراء الضروريات .
عشنا في ضنك لمدة أسبوعين الى أن عادت أختي خديجة و عادت أيام الرخاء . هي من حقها أن تفعل كل شيء . لكن عندما علمت أنني أحببت جارنا الذي لم أكن أعرف حتى اسمه أقامت الدنيا ولم تقعدها. أخذتني من يدي الى جارتنا لتتأكد من عذريتي . ( يا الهي أي جنون ) ؟ .
أعرف كل شيء واصمت. لأنه لن يصدقوني. لن يصدقوا أنها كانت تأخذني الى تلك الشقة في منطقة على أطراف المدينة . كنا ندخل تلك الشقة المتعفنة التي تنبعث منها رائحة البول والنتانة , كان هناك نسوة كثيرات من مختلف الأعمار والأحجام والألوان . تترأسهن عجوز شمطاء , عيناها لا تهدآن عن اللمز والغمز, ترتدي الحجاب والجميع يناديها بالحاجة . شكلها يبعث على الاشمئزاز . تأخذني " الحاجة " الى غرفة وسخة , تعطيني بعض " الحلوى والشاي " و قبل أن تقفل الباب علي تقول :
- غادي ندير لأختك " اللدون " و نبخرها , فيها " المسلمين ". أنت صغيرة حتى تكبري و نبخرك. تقفل الباب و تذهب . أنظر من ثقب الباب أرى نساء و رجالا في غرفة بعيدة . أراهم بصعوبة , لا أستطيع تمييز وجوههم . لكن أصواتهم و ضحكاتهم كانت تصلني بين الفينة والأخرى , ضحكات كنباح الكلاب.
مرة حاولت الثورة . سباب و شتم , دخلت في معركة كلامية مع خديجة. سباب و شتم منها و مني . ولا أدري كيف تطور الأمر فأصبح معركة بالأيادي . خلصتني والدتي من يدها . يومها قلت كل شيء لوالدتي وامام جميع شقيقاتي :
السينما , الرجال , كل الملفات السوداء . أخذت خديجة تبكي بهستيريا و تضرب رأسها بالحائط والدم ينزف من أنفها , و تقسم بالله و مكة والقرآن ولا أدري ماذا كذلك أن ما لأقوله كذب و تلفيق . و تبحث عن مصحف لا تجده و تحلف بقطع يديها واصابتها بالسرطان , - السيدا لم تكن مجودة آنذاك - أنا نفسي فوجئت بقدرتها الفائقة على التمثيل . كيف لم يكتشفوها بالسينما ؟ ممثلة بارعة .
هدأتها والدتي و قالت كحسم للموقف :
- اذا كنت محقة في ما تقولين - والكلام موجه لي - فلنذهب الى هذه الشقة لأرى بنفسي .
واسقط في يدي . لقد ذهبت الى هذه الشقة مرات كثيرة , لكن لا أستطيع تحديد المكان بالضبط . توجد في بعض الحواري والأزقة المتشعبة والمتشابهة . لم نكن نسلك طريقا واضحا . خديجة كانت ذكية تسلك بي طرقا ملتوية , ربما كانت تحسب حساب هذا اليوم . و كررت والدتي السؤال :
- أين توجد هذه الشقة ؟ خذيني اليها .
- تلعثميت :
- كنا نركب الحافلة و تتوه الكلمات ولا أعرف تحديد المكان . تستشيط والدتي غضبا . أنظر اليها . أعرف تتمنى والدتي لواكون كاذبة و كل ما أقوله افتراء . لا أعرف تحديد المكان . ترفع يدها و تصفعني . صدقت خديجة وكذبتني . من يومها قررت الصمت . تشتري لي الملابس بنقودها المدنسة , تأخدني الى السينما , تستري لي " الزريعة " و " كاوكاو" , تذهب الى الجحيم وابقى في الحديقة أنتظر عودتها الميمونة . أشتري اسفنجة مليئة زيتا , أنظر للمارة , يأتون , يذهبون , يضحكون , يصرخون , وراء كل شخص حكاية . أحاول أن أتخيل حكاية كل واحد يمر أمامي . مثلا هذا الشخص الذي يجلس على المقعد المواجه لي بجانب حبيبته ماذا عساه يقول لها ؟ ما هي هذه المواضيع المهمة التي يحكيها لها ؟ و لماذا هي مطأطئة راسها ؟ و هذا الرجل القميء القبيح , يبدو موظفا جد بسيط . لا بد أنه متزوج و لديه دزينة من الأولاد , و لديه بنت مثل خديجة , تذهب مع كل الرجال لكي تشتري أساور ذهبية تملأ بها الخزانة؟ أمل هذه اللعبة. أرى شرطيا. أسرح بأفكاري ثانية , أتخيلني رجلا شرطيا طويل القامة . ألقي القبض على " قدور القذر" أضربه ضربا مبرحا في بطنه . أحمل سيخا حديديا أضعه في النار حتى يحمر واكوي قضيبه حتى ينتفخ واراه يتلوى أمامي من الألم . يركع عند قدمي يقبلهما وانا أرفسه بقدمي و بعنف واغرز أظافري في وجهه حتى يسيل الدم واعلقه في ميدان عام و يرجمه الأطفال بالحجارة و يموت . تأكل الكلاب جثته النتننة . تهزني يد بعنف. أستفيق من حلمي الرائع . كانت خديجة , أتت من عند صديقتها الاخوانية و في يمناها سلة مليئة بأشياء كثيرة . كان يبدو عليها العياء . تحاول امساك يدي , أتملص منها أعبر الشارع و حدي , تسألني كالمعتاد :
- أين كنا ؟
- أنا شخصيا كنت في الحديقة , اما انت فلا أدري .
تصرخ في و جهي :
- نحن الاثنتين كنا عند صديقتي الاخوانية .
أنظر اليها بكره واستهزاء :
- واي سورة شرحتم اليوم ؟
- رأسي تؤلمني وليست لدي رغبة في مجادلتك . أنظري هذه السلة المليئة جبنا وشوكولاطة وساعة يد لك أنت .
- ساعة يد ؟ و لي أنا ؟
- نعم و من أحدث طراز . اسمعي قولي لأمي أنك وجدتها في الحافلة .
- لا أحب الساعات و لن أقول شيئا .
- بل ستقولين والا فاني سأختلق أية حكاية لسجنك في المرحاض المظلم المليء بالصراصيروالفئران والعفاريت .
ابتلعت ريقي بصعوبة . المرحاض في حد ذاته لا يخيفني , لكن الصراصير والفئران والعفاريت ؟ لا. قلت باستسلام :
- حاضر سأفعل ما تريدين . صمتت قليلا ثم سألتها :
- ألا تخافين الله ؟
فغرت فاها ثم قطبت حاجبيها و قالت :
- لماذا تسألين ؟ و لماذا أخاف ؟ هل أسرق ؟ هل أعترض طريق المارة واسلبهم أرزاقهم ؟
قلت ببرود :
- لا. تذهبين مع كل الرجال فقط .
لم أحس الا و كفها القوية تهوي على صدغي و نجوم ملونة أمام عيني .
- هذه الليلة سأعلقك في المرحاض . لا أكل ولاشرب يا بنت الكلاب .
أتذكر كل شيء بوضوح كأنه حدث بالأمس فقط . أول مرة دخلت فيها المدرسة , الصفعة رقم ألف , الاغتصاب واول سيجارة . قال لي :
- اسحبي نفسا عميقا و حاولي أن تنفثي الدخان من أنفك . أجل هكذا.
كنت أسعل بقوة وامسح الدموع من عيني . كان بوابا باحدى العمارات في سن أبي أواكبر قليلا , يرتدي جلابية بنية عفنة و طاقية مراكشية . كنت برفقة خديجة . قالت له :
- أريد أن أغير ملابسي و سأترك هذه أمانة عندك , واشارت الي .
شعرت بالخوف . الى أين تنوي الذهاب ثانية ؟
أمسكت يدها . زجرتني :
- اجلي هناك .
أتكوم في ركن الغرفة , تنزع جلبابها الرمادي و منديل رأسها . ترتدي فستانا أسود ضيقا جدا , فوق الركبتين بكثير, يكشف عن استدارة نهديها , يفضح أكثر مما يستر. تلبس حذاء بكعب عال جدا . تنظر في بقايا مرآة مكسورة و تضع الأحمر والأزرق والأخضر و تقرص خديها و تنظر لمؤخرتها و تعصر نهديها بكلتا يديها . تبتسم في رضى و تقول :
- اجلسي هنا عمي ابراهيم سيأتيك بزجاجة كوكاكولا.
- لاتتركيني مع أحد أرجوك .
تدفعني بعنف :
- لن أبتعد كثيرا سأكون بالطابق الأول .
- خذيني معك أرجوك .
- صديقتي مريضة ولا تحب الاطفال.
- لم أعد طفلة .
ذهبت . لماذا لاينتقم الله منها ؟ في كل الأفلام التي نراها يعذب الله الأشرار و ينتقم منهم و ينصر المظلومين . لكن متى ينتقم الله منها ؟ متى ينتهي هذا المسلسل ؟ يبدو ان الأشرار يموتون في الأفلام فقط أما في الواقع شيء آخر.
ابتسم " عمها ابراهيم " بعد أن ناولته خديجة بعض النقود . نظر الي وابتسم ثانية. افترت شفتاه الغليظتان عن أسنان صفراء صدئة . سألني وهو ينظر الي من فوق لتحت :
- كم عمرك ؟
لم أجبه. عاود النظر الي و قال :
- استديري .
أحسست بقلبي يكاد يتوقف عن الخفقان . الرجل الأسود , الحرق في فخذي و " قدور القذر". صرخ في وجهي ثانية :
- استديري .
استدرت نصف دورة وكنت أنظر بتوجس و حذر. لوى شفتيه امتعاضا و نظر الي كأني طعام حامض :
- انك نحيفة , ألا تأكلين ؟ أوف نحيفة جدا , لكن عندما تكبرين ستصبحين مثل أختك سمينة جدا و ستصبح هذه - واطبق على مؤخرتي بكلتي يديه –مليئة شحما و لحما, ستصبح شهية هربت من قبضته ووقفت قرب الباب المغلق :
- أين أختي ؟ خذني اليها .
ضحك ضحكته الكريهة و ظهرت أسنانه الصدئة :
- أختك فوق.
وشكل صفرا بيده اليسرى وادخل فيها سبابة اليد اليمنى بطريقة وقحة واكمل :
- عندما تكبرين ستصبحين مثلها " تدربك من دابا " .
حاولت فتح الباب , لكنه كان مغلقا بالمفتاح . ضحك ملء شدقيه ثم قال:
- تعالي أريك شيئا سيعجبك .
رفع جلبابه واخرج قضيبه . رجلاي كالقطن . قلبي .خديجة حرام عليك . تحسست الحرق في فخذي . المرحاض المظلم المليء بصراصير وعفاريت و فئران , سيخ امي . تبولت بلا شعور وأنا أرتعش.
رفع سرواله وقال بغضب :
- الله يلعن والديك , مسحي الأرض .
سمعت طرقا بالباب . كان رجلا آخر ناول البواب شيئا ما و ذهب . أخذ يقطع ذلك الشيء بسكين حادة حتى أصبح كمسحوق الحناء ووضعه في " السبسي" واخذ يدخن ثم قال :
- اقتربي .
ناولني " السبسي " ثم قال :
- اسحبي نفسا عميقا واخرجي الدخان من انفك هكذا .
سعلت بقوة . مسحت الدموع من عيني أخرج شوكولاطة رخيصة و قال لي :
- خذي هذه لا تقولي لأختك شيئا .
أخذتها وعندما استدار رميتها تحت السرير .
أخيرا جاءت خديجة . اختفت المساحيق من وجهها تماما. وقالت ل " عمها ابراهيم " :
- هل سببت لك هذه " البرهوشة " مشاكل ؟
نظر الي ثم قال :
- بالت على نفسها .
صفعتني ثم قالت :
- الله يمسخك .
ناولته النقود ثانية . نزعت ملابس " العمل " وارتدت الجلابية والبلغة ووضعت المنديل على رأسها كأنها مريم العذراء انتهت للتو من صلاتها .
فتح عمها ابراهيم الباب و خرج هوالأول ليطمئن أن الزنقة خالية من المارة . سمعناه يتحدث لرجل ما ويرحب به . نظرت خديجة من فتحة الباب و شهقت :
- أبي .