Admin Admin
المساهمات : 608 تاريخ التسجيل : 23/11/2007
| موضوع: مليكة مستظرف -ترانت سيس- الجمعة ديسمبر 28, 2007 5:24 am | |
| اكره يوم السبت.
أعرف ان هناك من يكره كل أيام الاسبوع ولا يشتكي.لكن بالنسبة لي الامر مختلف، أو هذا على الأقل ما أعتقد. كل يوم سبت يحضر أبى باكرا جدا،يجر قدميه الكبيرتين ، بطنه جد منتفخة،لا تتناسب مع جسمه النحيل.وجهه مستطيل،جبهته بارزة بعروق نافرة.لا يبدو وسيما أبدا. كل يوم سبت تكون برفقتها امرأة لا أعرفها، لا تشبه المرأة التي أحضرها في الاسبوع الفائت ،ولن تشبه بالتأكيد المرأة التي سيحضرها في الأسبوع القادم. يرسلني الى دكان “با ابراهيم”.دكانه معتم وتنبعث منه رائحة عطنة،منفرة، تبعث على القيء. لم أكن أشتري منه المواد الغذائية التي نحتاجها .عيناه حمراوان معمشتان.يتنشق “التنفيحة” و ينخرط في نوبة عطس لا نهائية. يمسح أنفه بمنديل يبدو أنه قصه من كيس طحين مهترئ.يفتح المنديل و يتأمل للحظة ذلك المخاط ثم يعاود دسه في جيبه.يحاول أن يتفوه ببعض الكلمات اللطيفة.الابتسامة لا تناسبه .تبدو أسنانه طويلة و غير متناسقة بلون الطحالب.أقول له جملة واحدة و ابتعد”عيشة الطويلة”. أضم ذراعي إلى صدري و أنتظر.تأتي جارتنا تحمل طفلها حديث الولادة بين ذراعيها.الطفل يصرخ بإصرار،يمص رضاعته المملوءة بالكمون الصوفي والكروية.قالت ل”باابراهيم”:هاد ولد الحرام ما بغاش يسكت”.يسكتها بإشارة غاضبة من يده هذا غير ملائكة..عندي دواه”.عاودت النظر إلى الطفل حتى اعرف عن قرب شكل الملائكة.كان وجهه بلا رموش و لا حواجب كأنه يعاني الثعلبة. .يفتح فمه عن آخره وهو يصرخ بعنف.وجهه كله عبارة عن فم كبير مفتوح،”حلق الموت” يرتعش كجرس صغير. ينفخ “باابراهيم” دخان السبسي بوجه الرضيع،مرة، اثنتين، فيصمت ،تتشقلب عيناه وينام. تمد المرأة يدها إلى صدرها،تنبعث منها رائحة الحموضة،تخرج بعض الدراهم تمدها للبقال، يضعها على جبهته ثم يقبلها. بالتأكيد رائحة المرأة الكريهة عالقة بالدراهم.تشكره المرأة بلطف يناسب امرأة في الأربعين تنبعث منها الخل. تنصرف المرأة،اكرر طلبي ”عايشة الطويلة”.يتجه إلى الداخل.كنت أتوقع دائما أن يأتيني بامرأة طويلة و عملاقة،لكنه كان يمدني بزجاجتين ملفوفتين بورق الجرائد، ويقول بصوته الذي يشبه صوت النساء و الذي لا يتناسب وشكله المخيف ”ديريكت للدار”.ثم يعود إلى ركنه المعهود.
ذات يوم أغراني ذلك السائل الأحمر القاني.تجرعت ما تبقى في الكأس التي نسيها أبي دفعة واحدة. تقيأت كل ما في جوفي وظلت رائحة منفرة تشبه رائحة جوارب متعفنة عالقة بي تلازمني طيلة اليوم. يقفل أبى علي باب غرفتي.يعطيني نصف خبزة بها بعض السمك المعلب. أرمي بها فور خروجه من النافذة. لن اقفل الباب بالمفتاح لكن لا تحاولي الخروج. من الغرفة الأخرى تنبعث رائحة الشواء ، يتحلب ريقي.أفتح الباب قليلا.ضحكات خليعة،كلمات نابية،الرائحة الشهية تتسلل إلى انفي.معدتي اصبحت في حالة هيجان قصوى،واصبح من الصعب إسكات قرقرة مصاريني. أبتلع ريقي بصعوبة،أتحسس الدراهم القليلة في جيب بيجامتي،غدا سأشتري نصف خبزة ممتلئة بصلا وكفتة.”العربي “شكله مقرف،بطنه تمتد وتتدلى فوق العربة.يمسح مخاطه و يعاود قلب أصابع الكفتة و النقانق. لكن لا يهم.أكله لذيذ،وربما هذا “العفن” ما يزيد من لذة اكله.فالزبائن يتجمعون حول عربته أكثر من الذباب الذي يحط على البصل و الطماطم المفرومة. أبي ،أريد ان أشاهد التلفاز.أريد أن أرى السندباد.لا أستطيع النوم.جدتي لأبى تقول أن الرسوم المتحركة مخلوقات حقيقية تعيش في مكان ما.تأخذ سبحتها و تظل تسبح.أصابع يدها الأخرى لا تفارق فتحة انفها في محاولة يائسة لنزع بعض الشعيرات.السندباد على مركبه يجوب العالم.الجنية تخرج من عمق البحر. ينقلب المركب و أسقط من سريري. الغرفة مظلمة.علاقة الملابس تصبح جنيا فاردا ذراعيه.يتقدم نحوي.أخفي رأسي تحت الغطاء . أسمع دقات قلبي كأنه يضخ في أذني.أين هي أمي ؟على الحائط لا أجد صورة لها.صورة قرد كبير يلف ورق التواليت على جسمه الضخم المشعر، يفتح فكيه في بلاهة،تظهر أسنانه الصدئة بحجم حبات الفول. لماذا يصر أبى على وضع صورته وسط البهو؟ من ذاك الذي قال أن أصل الإنسان قرد؟ كيف هو شكل أمي؟هل أحمل بعضا من ملامحها؟ سمينة؟ بيضاء؟كنت احمل كراستي و أتخيلها. كنت دائما ارسم امرأة بلا ملامح.جدتي قالت لي يوم زرتها بالبادية ”عيناك تشبهان عينا امك”.فرحت.الآن اعرف شكل عيني أمي.
أردفت و هي تفلي القمل من راسي”عيناك وقحتان ترمي عليهم كمشة الملح ما يرمشوا”.ينقبض قلبي، انفلت من بين رجليها.كرهت جدتي و ازددت حبا لامي. ذلك السبت ليلا.أحسست بآلام تفتك ببطني ، و بسائل ساخن يتدفق من بين فخذي إلى ساقي. السائل رائحته كريهة.فهمت.لكن لم اعرف ماذا افعل.أضع يدي بين فخذي حتى امنع ذلك السائل المهين و الكريه.تمتلئ أصابعي بالدم.تنزل قطع حمراء داكنة كالكبد.ارتعش ،السرير الحديدي يطقطق.أسناني تصطك.أحس بالمهانة.ماذا لو امتلات ارض الغرفة بالدم؟السلالم؟الحي؟أصرخ.يأتي ابي.عيناه نصف مغمضتين : آش بيك؟ صوته يشبه الحشرجة.آش بيك؟عيناه نصف مفتوحتين.آش بيك؟ وجهه مستطيل و جبهته اكثر بروزا.شعيرات مجعدة يحاول ان يخفي بها صلعه.آش بيك؟صوته يزداد حدة.الدموع كحبات الرمل، كالابر تنغرز في العيون.آش بيك؟اريد امي. .ينزع عني الغطاء،يرى سوءتي.الازار تشرب الدم حتى البلل. يدي بين فخذي،أحاول ان امنع النزيف المهين ..يتسمر.عيناه كقطعتي زجاج، ينظر الى الازار الملوث بالفضيحة.ينظر الى نهدي، الى وجهي الذي امتلأ بثورا حمراء.تفاحة آدم تصعد و تنزل . يحك قفاه أهز رأسي من اليسار الى اليمين كأنني ادفع عني تهمة .يفتح خزانة الملابس ،يمدني بفوطة كنا نمسح بها أرجلنا.يرميها بعنف باتجاهي.يبصق على الارض يخرج .لا أزال مكورة فوق السرير.أنظر الى بقع الدم ، الى الفوطة الخشنة. تأتي المرأة التي تقاسم ابي مجونه-الي.تخفي عريها بازار ابيض.تضحك ضحكة لزجة ماجنة بلا معنى. تقول بصوت خشن بفعل السجائر “نوضي قفزي الله يمسخك، ها انت وليتي امرأة”.يومها ،كرهت أبي ،كرهت جسدي وأحببت امي.
صباحا أستفيق على صراخ المرأة التي أحضرها أبي .أفتح عيني المنتفختين، أوارب الباب.المرأة ترمي بورقة نقدية خضراء في وجه ابي،التفال يخرج من فمها،تنتفخ أوداجها،تبدو كضفدعة.”على هذا بهاد الثمن؟”،و تشير الى ما تحت بطنها الأكرش في حركة وقحة. يعاود ابي دس الورقة النقدية في جيب سرواله القندريصي الذي يستر نصف مؤخرته فقط. يرفع رجله اليمنى ويصوبها نحو مؤخرتها ”خرجي الق.. النسا حطب جهنم”.تنجح المرأة في الافلات.يصفق الباب وراءها بعنف واضح . تستمر في الصراخ حتى و هي في الشارع”حرام عليك تاكل عرق الوليات، الله يدخلهم عليك بالحرام”.عيناه ضيقتان كثقبين صغيرين مظلمين،لا تنسجمان مع أنفه الضخم الممتلئ بآثار الجدري.يسند جبهته الى الحائط، أستطيع ان اسمع انفاسه المضطربة،يضرب الحائط بقبضة يده،يبصق على الارض ، أسمعه و هو يسب دين النساء.المرأة لا تزال تصرخ ،تريد جلبابها و حقيبة يدها.يفتح حقيبتها و يرمي بها من النافذة. تنتشر محتوياتها على الاسفلت.يتسابق الاطفال لسرقة ما تقع عليه أيديهم.يمزق الجلباب و يعاود رميه من النافذة، يجلس على حافة الكرسي و هو يلهث،ثم يضحك في ارتياح. أستطيع أن اخمن ما سيحدث بعد ذلك. سيدخل الحمام، يستحم، يستقبل القبلة، يقول” اللهم اني نويت صلاة ركعتين لوجه الله”.نفس الحكاية تتكرر كل يوم سبت مع اختلاف بسيط في التفاصيل. مع اقتراب يوم السبت، يحط على صدري حجر ضخم لا يتزحزح.أصبحت أكره يوم السبت، وأصبحت أفهم لماذا يسمي الجيران أبي ب “ترانت سيس”.
ترانت سيس : جناح المصابين بامراض عقلية و نفسيةمليكة مستظرف | |
|