م.ت.بحرية
المساهمات : 253 تاريخ التسجيل : 27/11/2007
| موضوع: مليكة مستظرف -بين الرجل والمرأة- الجمعة ديسمبر 28, 2007 7:20 am | |
| من الطبيعي أن تقول مليكة مستظرف من خلال نصوصها اختلافها الجنسي كامرأة، وكتابتها قد لا تختلف عن الكتابات النسائية التحررية التي تحتجّ على الطريقة التي تعامل بها المرأة في مجتمع أبوي قاهر، وتفضح المسكوت عنه في مجتمع لا يتحدث عن الدعارة والاغتصاب وزنا المحارم ... إلا أنها توسع من معنى الاختلاف الجنسي، ولا تجعله منحصرا في المرأة والرجل، أي أنها تتجاوز التمييزات الجنسية السائدة، وتلقي أضواءها على هويات جنسية أخرى خارج هذه التمييزات. هكذا نجدها تفتتح مجموعتها القصصية الصادرة سنة 2004 تحت عنوان: ترانت سيس بنص هو احتجاج على مجتمع قاهر قامع للحريات الطبيعية، وأساسا لحقّ الإنسان في الاختلاف، أو الأصح بــمجرد اختلاف: . يبدأ النص بمساءلة هذا الحرمان الجنسي الذي يقاسيه الإنسان، وهذا الكبت المفروض على الجسد والرغبة والجنس، في مجتمع قاهر إلى حدّ يتمنى معه هذا الإنسان لو كان حيوانا حتى يتمتع بحريته الجنسية: " كلبة أمامي ترفع ذيلها وتلتفت لكلب أسود يعرج. تنجح في غوايته. يركبها الكلب، يلتصقان، يلتحمان، تغمض الكلبة عينيها في انتشاء وتستسلم لحركات الكلب المثيرة. خدر لذيذ يسري في جسدي. كم هما محظوظان! يفعلان ذلك الشيء أمام الملأ: " ربي يشوف والعبد يشوف". لا يخافان من "لارافل" أو من كلام الناس" (ص 9). يتمّ افتتاح النص بما من خلاله تتمّ مساءلة المحرّم: الجنس، وشيئا فشيئا، يتمّ الانتقال إلى سؤال أكثر أهمية: " كيف أقنع الآخرين باختلافي؟"(ص 15). وعلى عكس بعض الكتابات النسائية، فان النص لا يكتفي بالحديث عن النسائي باعتباره حاملا للاختلاف، بل هو يوسع من دائرة الاختلاف الجنسي، ولا يحصرها في الذكر والأنثى، بل يدفع في اتجاه اكتشاف جنس ثالث: الخنثى، ويطرح مسألة حقّه في الاختلاف. وهو بهذا نصّ يطرق موضوعا يتعلق بهذا الجنس الثالث الذي يقع بين الجنسين: الذكر والأنثى. وهو موضوع مسكوت عنه ومقموع، لأنه يهدد المجتمع الذي تقوم قيمه ومبادؤه على تمييز جنسي واحد ووحيد: الذكر والأنثى، المرأة والرجل، ولا وجود لما بينهما. فمصير الجنس الثالث هو الاضطهاد والنفي، ويبدو أن لا حقّ له في الوجود. محكوم على الراوي الذي ينتمي إلى هذا الجنس الآخر بالإبعاد إلى العوالم السرية للدعارة والشذوذ الجنسي التي يتعرض فيها لمخاطر عديدة ولأشكال أخرى من القهر والعنف: هذا بوشتى " ينتظر أن يأخذ نصيبه عن كل عملية مقدّما. نحن نعرق ـ يقول الراوي ـ ونجفّ ونتحمل سماجة الزبائن، وهو يأكلها باردة واجدة .."( ص 10). وهؤلاء الملتحون يهاجمون الراوي ويحلقون شعر رأسه، " قالوا إنهم يريدون تنظيف المجتمع"( ص 10)، ولولا مرور الشرطة لكان لهم معه أمر آخر. والأب، على عكس الأمّ، هو أول من يجرّد ابنه من هذا الحق في الاختلاف الجنسي الذي يتموضع بين الرجل والمرأة: " يحزّ في نفسي ضياع شعري. كان طويلا وأشقر كشعر الخيل. أمي كان يحلو لها دائما أن تمشطه، وتتعمد أن تتركه طويلا ومنسدلا على كتفي. مرة عاد أبي من إحدى أسفاره الطويلة، ...، فاجأ أمي وهي تضع أحمر الشفاه على خدّي وشعري معقوص على شكل اسفنجة. يومها ضربها حتى تغوطت في ملابسها، وقال لها: " هاد الولد غادي تخرجي عليه، سيصبح خنثى". يده كالكماشة تطبق على ذراعي. يأخذني إلى الحلاق ويحلق لي على " الزيرو"... نعود إلى البيت، يأخذ مصحفا بين يديه، أستظهر الفاتحة. يفتح فمه عن آخره ... قلبي يدقّّ بعنف تحت ضلوعي...يمسك المصحف بيديه وينزل به على رأسي. الغرفة تدور، الكرة الأرضية تدور وكل الأجرام السماوية. ستدخل جهنم أنت وأمّك. أكتب ألف مرّة: أنا رجل، أنا رجل. أطأطئ رأسي، أنظر إلى يدي، أمسك الخنصر: أنا رجل، البنصر: أنا امرأة، رجل، امرأة، ر..امرأة." (ص 11). لا يعترف الأب المتديّن بهذا الجنس الثالث: الخنثى، فهو يرفض رفضا قاطعا الاعتراف بجنس آخر يقع بين الرجل والمرأة، والابن يشكو أزمة هوية تولّدت عن قهر أبوي ينظر بقرف وامتعاض إلى ابن هو رجل وامرأة: " اخذ ورقة، وأجلس إلى الطاولة، يجلس ـ أي الأب ـ غير بعيد عنّي، شفتاه لا تكفّان عن الحركة، ربما يلعنني في سرّه أو يقرأ بعض سور القران. يراقبني بقرف وامتعاض كأنه ينظر إلى جثة فأر متفسخة" (ص ص 11 ـ 12). تبدو مؤسسات المجتمع، العائلية والتربوية، أكثر انغلاقا وتشدّدا اتجاه هذا الجنس الآخر، فأستاذ اللغة العربية يطرد الراوي، التلميذ الخنثى، من فصله، وأستاذ التربية الإسلامية يسخر منه قائلا : " الفاعل والمفعول به في نار جهنم" ( ص 13)، وأعين التلاميذ تحاصره من كل جانب، وتجعله يحسّ في خجل قاتل باختلافه الشاذ الذي لا يثير لدى الآخرين إلا السخرية والنوايا السيئة: " أحني رأسي في خجل كأنني أعتذر عن وجودي بينهم. الأعين تحاصرني، وأنا وحيد بينهم، لا أشبههم، الكآبة تلفّني، أعرق، أجفّ، وأتمنى لو أختفي، لو أتبخّر" (ص13). ومع ذلك، فوراء الخطاب الطهراني المتديّن، قد تخفي المؤسسات الاجتماعية نفاقها وازدواجها، تخفي خطابا آخر وسلوكا مغايرا: " يخرجون من الفصل. يستبقيني الأستاذ. يلمس وجهي برفق ولطف، أشك في سلامة نواياه: ـ وجهك أملس أكثر من اللازم، كل أصدقائك نبتت لهم شوارب إلا أنت، ترتعش أصابعه، تسري الرعشة في جسدي، إحساس لذيذ، غريب، و ..آثم. أمسح قطرات العرق عن جبهتي، عيناه تلمعان بشيء غريب كالشهوة.."(ص ص 13 ـ 14). وفوق ذلك، إذا كان الرجال يطردون أو يطاردون الخنثى لأن فيه شيئا من المرأة، فان النساء يفعلن كذلك، لأن في الخنثى شيئا من الرجل: " دخلت حمام النساء ... تجمهرت حولي النساء. قمن بشدّ شعري ... كنت أعتصر بين نهودهن وأجسامهن المترهلة ... أفلت بأعجوبة. قالت إحداهن " أنت رجل سير لحمام الرجال". ... بعدها دخلت حمام الرجال. أمسكوني من قفاي وطردوني."أنت امرأة سيري لحمام النسا". هكذا قالوا."(ص 14). في المجتمع الأبوي، إما أن تكون رجلا أو أن تكون امرأة، لا مكان لجنس ثالث، ولا وجود لشيء آخر غير الإقصاء والإبعاد والقسوة واللامبالاة. والراوي الخنثى لا يفهم سببا لهذه المعاملة، وهو ليس مسؤولا عن هويته الجنسية، ولا يعرف كيف يقنع الآخرين باختلافه الجنسي: " الطبيب الذي زرته ... أخبرني عن أشياء لم أستوعبها جيدا: هرمونات، جينات، كروموزومات... وفي الأخير أخبرني أنه عليّ أن أتقبّل جسدي كما هو. يا للعبقرية كأن هذه الجملة الحرية ستحلّ جميع مشاكلي؟ ! ... كيف أقنع الآخرين باختلافي؟"(ص15). إجمالا، فان الكتابة النسائية عند مليكة مستظرف لا تقوم على ثنائية: الرجل والمرأة فقط، بل هي تنفتح على جنس آخر اختلافه جعله يعيش أزمة في هويته ووجوده، فهو في المنزلة بين المنزلتين، ويقاسي الاضطهاد من قوتين كبريين متجاذبتين: الرجل/ المرأة. وبهذا نكون أمام كتابة تتجاوز ثنائيات المجتمع وتصنيفاته، وتسائل مبادئه وقيمه وحدود إيمانه بالاختلاف، وتطرق موضوعا مثيرا للجدل في الأوساط الثقافية والاجتماعية، وتجعل الجنس الثالث، الذي يقع في المنزلة بين المنزلتين، يتسلل إلى السرد القصصي المعاصر، منطلقة من مبدأ أساس: الانفتاح على الآخر والاعتراف باختلافه واحترام هويته. وفي الواقع، وحدها الكتابة النسائية تستطيع أن تقول ما لا تستطيع الكتابة الذكورية أن تقوله: الحقّ في الاختلاف الجنسي، لأنها كتابة تأسست على اعتبار أن النسائي حامل للاختلاف، وأن الجوهر في الكائنات والأشياء هو الانفتاح على الآخر. وفوق ذلك، فالكتابة النسائية تملك هذه الجرأة على النفاذ إلى منطقة المحرّم والمسكوت عنه، وتفضح عنف المجتمع وصمته ولامبالاته وإقصاءه لاختلافات جنسية أخرى. وبهذا، فالكتابة النسائية هي أساسا استقبال وانفتاح على الآخر في اختلافه، أي أن جوهرها هو أن تقول الشبيه وأن تقول المختلف، وتتحول بذلك من ممارسة لغوية أدبية خالصة إلى ممارسة ثقافية سياسية تسمح للآخر بأن يعيش اختلافه: هي كتابة تحرّر شخوصها المقصية المهمّشة بسبب اختلافها من قيود الصمت، وتخرجها من دوائر الموت الاجتماعي، وتدفع بها إلى فضاءات الكلام والتعبير عن اختلافها. 4 ـ بين جنون الأب وغياب الأمّ: عنوان المجموعة القصصية هو: ترانت سيس، وهو عنوان النصّ الثاني في المجموعة، وهو يحيل على التسمية التي يطلقها المغاربة على جناح للأمراض النفسية والعقلية بمستشفى البيضاء المركزي، وهي التسمية التي يطلقها الجيران في النص القصصي على أب يطلق العنان لجنونه. فالنص بأكمله هو مساءلة لجنون الأب في وسط عائلي يتكون من الأب وابنته ولا وجود فيه للأمّ. يفتتح النص بصوت الراوية التي تتحدّث، وهي طفلة صغيرة، عن قبح أبيها وأنانيته وجنونه: " لا يبدو وسيما أبدا. كل يوم سبت تكون برفقته امرأة لا أعرفها ... يرسلني الى دكان " با ابراهيم"... لم أكن أشتري منه المواد الغذائية التي نحتاجها...أقول له جملة واحدة وأبتعد: " عيشة الطويلة" ... كنت أتوقّع دائما أن يأتيني بامرأة طويلة وعملاقة، لكنه كان يمدّني بزجاجتين ملفوفتين بورق الجرائد..."(ص 18). تكره الطفلة يوم السبت، لأنه اليوم الذي يمارس فيه الأب جنونه: يأتي بامرأة غريبة، يرسل ابنته لتأتيه بالخمرة من الدكان، يقفل عليها باب الغرفة، ويبدأ ليلته الماجنة. وفي الصباح، تستفيق الطفلة على صراخ المرأة التي تطالب الأب بثمن الليلة، يخرجها بعنف من المنزل، ويرمي بحقيبتها من النافذة، تتشتت محتوياتها على الإسفلت، يتسابق الأطفال لسرقة ما تقع عليه أيديهم فيما تواصل المرأة صراخها واحتجاجها في الشارع.وكأن شيئا لم يقع، يدخل الأب إلى الحمام ويستحمّ ثم يستقبل القبلة ويصلّي. يقول النص حياة طفلة صغيرة في وسط عائلي واجتماعي فاسد ومقرف، ويقدّم من الصور ما يكشف عنف الأب وأنانيته واستهتاره ولامبالاته بمصير ابنته، كما في هذه الصورة: " ( بعد إحضار امرأة إلى البيت)، يقفل أبي عليّ باب غرفتي. يعطيني نصف خبزة بها بعض السمك المعلّب ... من الغرفة الأخرى تنبعث رائحة الشواء، يتحلّب ريقي ... ضحكات خليعة، كلمات نابية، الرائحة الشهية تتسلل إلى أنفي. معدتي تصبح في حالة هيجان قصوى ..."(ص 19). إن صورة الأب في نصوص مستظرف هي الأكثر حضورا وهيمنة، فهو حاضر في كامل أنانيته وقبحه وعنفه وجنونه، في حين تأتي صورة الأمّ كأكبر غائب، فالأمّ أفظع نقص تعاني منه شخصية الطفلة الصغيرة، وصورة الأمّ هي بالتالي أكبر ثقب في محكيّها ومتخيّلها: " أخفي رأسي تحت الغطاء. أسمع دقّات قلبي كأنه يضخّ في أذني. أين هي أمّي؟ على الحائط لا أجد صورة لها. صورة قرد كبير يلفّ ورق التواليت على جسمه الضخم المشعّر، يفتح فكّيه في بلاهة، تظهر أسنانه الصدئة بحجم حبات الفول. لماذا يصرّ أبي على وضع صورته وسط البهو؟ ... كيف هو شكل أمّي؟ ... كنت دائما أرسم امرأة بلا ملامح" (ص 19). أصاب المسخ والتشوّه صورة الأب، فهي صورة لم تعد تثير إلا الرعب في النفس، و صورة الأمّ هي أقوى ما تحتاجه الطفلة الصغيرة في فضاء الجنون. فمن خلال صور المجاز والرمز التي تقوم على التحريف والمسخ والتشويه(صورة الأب/ صورة القرد)، يقول الصوت الطفوليّ نقصه وفقدانه وحاجته إلى الأمّ، كما يقول التوحّش الذي أصاب الوجود الإنساني: الجنون والعنف والرعب والقبح والقذارة والقرف وغياب المنطق في عالم الأب. وإجمالا، فان نص: ترانت سيس يصور هذا الفضاء الذي يعتبر غياب الأمّ وجنون الأب من أكبر علاماته، وهو لا يختلف عن فضاءات الغرابة والجنون والنفاق وازدواج الشخصية( شخصية الأب أساسا) التي تتخذها مليكة مستظرف موضوعا لنصوصها القصصية، مركّزة على ضحايا هذه الفضاءات: المريض، الخنثى، الطفلة، العاهرة...، وفاسحة المجال لأصواتهم التي تتكلم وتتألم في الوقت ذاته، وتحتجّ على اللامعقول والجنون وغياب المنطق،وغالبا ما تتكلّم بألم وتحتجّ بعنف ممّـا يكسب السرد طاقة هائلة وحيوية مدهشة. 5 ــ بين لغة الأدب ولغة الواقع: في مجموعتها القصصية،تكتب مليكة مستظرف بلغة تقع في المنزلة بين المنزلتين: اللغة الفصيحة واللغة العامية. نجد السارد أولا يدرج أقوالا باللغة اليومية المغربية، لأنها أقوال تناسب قائليها وشخصياتهم وأوضاعهم وهوياتهم، ففي قصة: مجرد اختلاف، يتكلم بوشتى لغة واقعه الاجتماعي: " يصرخ بوشتى: " اركل دين أمهم""( ص 9)، ونجد الأب يتحدث تارة لغة بوشتى وتارة لغة الكتب، في حين يتكلم الأستاذ لغة الكتب، ويمزج التلميذ بين اللغتين. ونجد السارد ثانيا يدرج كلمات وأقوال ومعاني من لغة الواقع داخل لغة الكتب والأدب، كما في هذا المثال: " كم هما محظوظان ! يفعلان ذلك الشيء أمام الملأ: " ربي يشوف والعبد يشوف"، لا يخافان من "لارافل" أو من كلام الناس . ونجده ثالثا يعمل على التقريب بين اللغتين: هكذا يعمل السارد على تقريب لغة الأدب من المحكي اليومي في بساطته وتلقائيته وإيقاعه وبياضاته وثقوبه وتقطّعاته وتنقلاته من فكرة إلى أخرى ومن موضوع إلى آخر، بالشكل الذي يعكس نفسيته وتفكيره وشخصيته، كما في هذه الأمثلة: " كعب حدائي يؤلمني، لا أستطيع الوقوف طويلا. أتمنى الرجوع الى البيت، أحتسي قليلا من البيرة وصحن بوزروك بالفلفل الحار. هذا أفضل وصفة تجعل المرء يشعر بالدفء في هذا الجو البارد. لكن بوشتى لن يتركني وشأني. ثم لديّ مصاريف كثيرة: الأكل، الملابس، المواصلات، والكراء. أهم شيء الكراء. أدفع نصيبي في الغرفة التي أكتريها مع نعيمة و"السكامس". أفكر في السكن بمفردي، لم أعد أطيق " السكامس". فهي اما تشرب كأسين حتى تفضحنا في الدرب. وتدخل في حالة هذيان غريبة. تتفوه بكلام غير معقول، وتسبّ العالم كلّه بكلام بديء. الامر يصبح أفظع اذا ما تصادف وجود السكارى بالدرب."(ص 10). نلمس في نصوص المجموعة القصصية انفتاحا للغة الأدب على لغة الواقع، وهو انفتاح تترتب عنه خصائص أخرى، فاللغة الأدبية لم تعد مجرد نشاط لغوي شكلاني محافظ، بل صارت نشاطا متحرّرا لا يهمّه أن يرمى بتهمة السوقية والنزوع إلى تعرية العورة وانتهاك المحرمات والطابوهات الاجتماعية، قدر ما يهمّه أن يقول واقعا اجتماعيا مأساويا وتجربة وجودية قاسية بلغة تقول كل شيء من دون مراوغة أو مواربة، مخترقة جدران الاستقامة والطهرانية التي كثيرا ما تحتمي بها لغة الكتب والأدب. والملاحظ أن نص: موت ـ وهو كما تقدم آخر نص قصصي كتبته الكاتبة قبل موتها ـ يوظف اللغتين معا ليقول الانفصام الذي هو موضوع النص نفسه، فالمذيعة والسارد يتكلمان لغة الكتب والأدب، في حين تتكلم الشخصيات لغة الواقع، واجمالا، فان نصوص مستظرف تتحدث عن الانقسام أو الانفصام الذي أصبح خاصية الوجود الإنساني، وهي لا تتحدث عن ذلك من خلال محتوى النص فقط، بل ومن خلال لغاته. فالنص القصصي يزاوج بين لغة الأدب ولغة الواقع بالشكل الذي يعبّر عن هذا الانفصام، وتتقدم لغة الواقع على أنها الأقدر على التواصل ونقل حقيقة العالم وتراجيديا الحياة. لغة مليكة مستظرف هي لغة تقول كل شيء، وتنتهك لغة الأدب التي كثيرا ما تراعي المقبول والمستحسن أخلاقيا وثقافيا، وتبدو كأنها لغة جديدة قد تكون غير قابلة للقراءة عند من ينظرون إلى لغة الأدب من منظور أخلاقي متشدّد ومنغلق. الكتابة القصصية عند مليكة مستظرف لا يمكن أن تكون لغتها إلا عنيفة متوحشة، لغة تتعرّى وتنزع الأقنعة عن الوجوه التي تدّعي العفّة والطهرانية، إذ لا يمكن للغة التي يكون لها طابع اجتماعي وثقافي مقبول أن تنقل حقيقة الواقع ومأساة المصيرد.حسن المودن | |
|