تنخرط في البكاء من جديد ثم تضيف :
- ولد ز .. الله يوريني فيه يوم , يا ربي أنا أمة تحت سماك أمنيتي أن أراه والكلاب تمزق لحمه قطعا قطعا و يستغيث ولا من مغيث . لا .. لا .. أريد أن تسحقه شاحنة الأزبال تمحقه أرضا فيختلط لحمه و عظامه مع الأزبال و يسيل دمه مع البالوعات ..
تنزع تلك المرأة السمينة غطاء رأسها :
- الله ياخذ فيك الحق يا ولد الحرام .. الله يجعلك مثل ثور الوحل ما ان ترفع قدما حتى تغرق الأخرى .. الله يعطيك..
تلتفت الى الهام و تسأل :
- ما اسمه حتى أدعي عليه ؟
- قال اسمه محمد. كان يرتدي بدلة وربطة عنق بالأسود و قميصا أبيض و حذاء أسود يلمع . يحمل مفاتيح كثيرة في يده و شعره ممشوط بعناية يلمع هوالآخر . عندما عرض علي الذهاب معه قلت : و لما لا ؟ على الأقل واحد نظيف بدل هؤلاء الصعاليك الذين يملأون المكان . و ما سآخذه منه سأشتري به حذاء لدعاء و كيلو لحم . ذهبت معه في سيارته المرسيدس البيضاء . لم يكن يتكلم كثيرا , بل لم يكن يتكلم قط . أخذني الى خارج المدينة , لا أعرف أين بالضبط . عندما سألته لم يجبني . اشعل سيجارته و صمت . ساعتها شعرت بالخوف وتمنيت لو اعود . لكن الليل ! خفت أن يتركني في الشارع . ليته تركني لكان أرحم . ربما الكلاب الضالة لم تكن لتفعل بي ما فعل بي ابن ال ... ذهبنا الى فيلا في طور البناء , الطابق السفلي مكتمل لكن لم يصبغ بعد . أكياس الاسمنت مرمية هنا وهناك والرمل والمسامير . رفضت ان أنزل جذبني من شعري بعنف وادخلني الى الداخل , صرخت , قاومت لكن لا من مغيث .الأرض خلاء والظلمة : تمد ايديك تقطع .أنار شمعتين وامرني أن أنزع ملابسي وعندما رفضت مزقها فوق جسمي و ربطني الى أحد الأعمدة و شرع يمارس علي الجنس بطريقة غريبة . لم يكن وحده , فجأة خرجوا من الظلام كالعفاريت , كالجرذان . كانوا أربعة ربما أكثر, لم أتبين ملامحهم و لن أعرفهم حتى لو التقيتهم ثانية . مارسوا علي كل أنواع التعذيب من اهانة و ضرب واخذوا نقودي . تصوري ! أتيت من هناك سيدي رحال أظن لست متأكدة .. تصوري من سيدي رحال الى المدينة القديمة .. أحس أنني قطعت نصف الكرة الأرضية على قدمي . أحس أ ن الله يصر اصرارا عجيبا على تعذيبي . و لدت ولا أعرف لي أبا قط , اسم بنت الحرام يلتصق بي كالوشم . خالي واخي اغتصباني منذ المهد , أمي الوحيدة التي كانت سندي في هذه الديا تموت وتتركني أنا و طفلتي في عالم كله ذئاب و حيوانات و ماذا بعد ؟
تسكتها المرأة :
- استغفري الله المؤمن مصاب .
تصرخ إلهام في وجهها:
- من يدلك على ايماني ؟ من قال لك أنني مؤمنة ؟ جبهتي لا تلامس الأرض الا اذا انكفأت على وجهي من شدة السكر . الصوم؟ أجوع فقط كالآخري . تركت لكم الايمان و كل شيء فقط أريد أن أرتاح . أن أضع رأسي على الوسادة وانام . لقد حملت الهم مبكرا .
تقف المرأة و تستأذن لكي تنصرف :
- سأذهب الله معك.
(هؤلاء المكبوتون موجودون في كل مكان : في البيت , في الشوارع , في محلات البقالة , في سوق الخضار و حتى في الحافلات . يستغلون الزحام والغفلة ليفرغوا مكبوتاتهم الحيوانية في ضحاياهم من النساء الغافلات الشابا ت أوالعجائز . بعض العجائز تعجبهن اللعبة و يتظاهرن بالغفلة و عندما تنتهي اللعبة يصرخن في احتجاج . رأيتهن كثيرا في الحافلات)
تقول الهام و هي ما زالت عارية :
- أعرف لن تنام حتى تنشر الخبر في كل المدينة القديمة وتزيد وتنقص حسب هواها و تضخمها حتى تصبح بالحجم الذي يرضيها.
كنت أنظر الى جسم إلهام الشائه , واخيرا نجحت في الكلام قلت لها:
- سأذهب للصيدلية واشتري بعض الأدوية لعلاج جراحك .
أوقفتني باشارة من يدها :
- لا تفعلي . جراحنا تشفى وحدها لسنا في حاجة لدواء الصيادلة.
ثم نظرت لحقيبتي وقالت :
- ما الأمر؟ خصومة مع زوجة أبيك ؟
- بل مع أبي.
- ماذا حدث ؟
صمتت لحظة و قلت لها :
- سأسافر الى فرنسا.
بدت للحظة كتمثال شمع :
- كيف ؟ متى ؟ لم تخبريني بشيء .
- لم أخبر أحدا بالأمر .
صرخت في وجهي والدموع تملأ وجهها :
- أنا لست أي أحد . أنا أختك , صديقتك . أحكي لك كل شيء. تعرفين حتى ما بداخل مصاريني, تجلسين معي , تأكلين و تخفين عني أمرا كهذا؟ بل ربما كنت تنوين السفر بدون وداع , انك مثلهم غدارة و خائنة للعشرة .
لم أرها بهذا الشكل أبدا. ضممتها الي وقلت :
- ليست قسوة بل حب . خفت فراقك , خفت لحظة الوداع . انك لا تفهمين ما أحس به نحوك . لا تعاتبيني أرجوك , يكفي ما سمعته من أبي .
مسحت دموعها و قالت :
- متى قررت السفر؟
- اقترحت علي جوزيان السفر لانشاء جمعية تعنى بضحايا التحرش الجنسي من الأطفال .
- هراء ! هل تظنين نفسك ستصلحين الكون أنت وجوزيان ؟
- أنا و جوزيان والآخرون . لا بأس من المحاولة
- لست مقتنعة بالفكرة , لكن فرنسا جميلة . اذهبي هناك واعملي في أي شيء : نادلة في مطعم .. أي شيء .. ما دمت بعيدة عن هنا. و عندما تجمعين مالا كثيرا عودي وافتحي حانة. ستصبحين ثرية .
- هذه أحلامك انت الهام . أنا سأنشئ جمعية وادرس ألا تفهمين ؟
- فعلا يبدواننا أصبحنا نتكلم لغة مختلفة .
- الهام . لماذا لا تتركي هذا العمل ؟ لأجل دعاء . فكري بها عندما تكبر .
أشعلت سيجارة . كانت يداها ترتعشان و تتحسان من حين لآخر أماكن الأسنان المكسورة . حاولت أن تتكلم بهدوء :
- سأترك العمل.. حاضر . لكن قولي لي أين سأعمل ؟ في الشركة التي تركها أبي ؟ أم في المصنع الذي تركته أمي ؟ قبل أن تقولي أنت وغيرك اتركي هذا العمل أعطوني البديل , أم تحسنون الكلام فقط ؟ هل تنوين حل مشاكل الناس الذين يأتون جمعية المستقبل بالكلام ؟ الهضرة ما تعمر خضرة .
- أقصد ...
أسكتتني باشارة من يدها و قالت :
- خذي دعاء لتنام بجانبك هذه الليلة . لا أستطيع ضمها الي . جسمي متألم واطفئي الضوء .
أطفأت الضوء . ضممت دعاء , قلت لالهام :
- سأكتب لك كثيرا و من يدري ؟ قد أجد حلا وارسل اليك لكي تلحقي بي .
صمت ثقيل يلف المكان و بعدها قالت :
- ستكتبين مرة واثنتين و بعدها ستأخذك الحياة . ستنسين الهام و دعاء و و كل الأيام الجميلة .
- سترين أنني لن أنساك .. لن أنسى دعاء .. لو كانت ابنتي ...
دفنت رأسي تحت الوسادة وبكيت .
صباحا حملت حقيبتي , عانقتها , ضممت دعاء الي , أعطيتها بعض النقود كانت تفيض عن حاجتي . نجحت في حبس دموعي وانصرفت .
في المطار , جلست أنتظر الطائرة . كنت أحس بشعور غريب : الخوف من المستقبل , المجهول ربما . احساس بالمرارة في حلقي . أنظر في كل الوجوه عساني أرى وجه أبي . لو يأتي ؟ لو يرضى عني ؟ دخلت المرحاض , غسلت وجهي من آثار الدموع .. خرجت و.... رأيته , انه هوابي!!! عانقته . لأول مرة أحس بدفء ذراعيه. احساس رائع .. رائع. انتبهت لنفسي كنت أبكي بصوت مسموع . لم أكن وحدي , حتى أبي كان يبكي . يا الهي ! هل هو يبكي مثلنا ؟ عانقته ثانية لأشبع من حضنه . لم يعانقني أبدا قبل الآن . قال لي بعد أن مسح دموعه :
- سافري يا ابنتي و قلبي راض عنك .
- كيف اقتنعت بفكرة سفري ؟
- أنا لم أقتنع بشيء . أخاف عليك أولاد الحرام . الدنيا خايبة آبنتي . كنت أريدك أن تتزوجي و تنجبي و تتركي الدراسة ووجع الدماغ . المرأة مكانها في البيت والأولاد.... لكن رأسك صلبة . افعلي ما بدا لك .. سافري .
عانقته بقوة , بقوة . كم أنت رائع يا أبي ! لواشعرتني بالحب قبل الآن كانت تغيرت أشياء كثيرة في حياتي .
نظر الي ثانية وقال :
- سأطلق سراح زوجتي . قررت هذا منذ مدة لكن بالأمس عندما غادرت البيت تكلمنا كثيرا , واتفقنا على كل شيء . سأطلقها واعطيها مبلغا من المال و تعود الى قريتها.
- ربما هذا أفضل لك و لها.
- سترسلين لي رسائل كثيرة ؟
- أجل و سأحكي لك أشياء كثيرة .
أدخل يده في جيب سرواله واخرج سلسلة ذهبية :
- هذه آية الكرسي , ضعيها حول عنقك حتى تحفظك.
قبلت يده و جبهته . ضمني اليه ثانية و ذهب .
انتهـــى.