م.ت.بحرية
المساهمات : 253 تاريخ التسجيل : 27/11/2007
| موضوع: مليكة مستظرف: رحلة الألم والإبداع الخميس ديسمبر 27, 2007 2:34 pm | |
| غ مليكة مستظرف قبل المرض يب الموتُ الروائية مليكة مستظرف بعد صراع مرير مع مرض القصور الكلوي الذي رافَقَها منذ العام 1986. غير أن هذا المرض لم يكن ليُضعِفَ قوةَ إيمانها بالكتابة ومقاومة الألم بالإبداع.
رحلت مليكة مستظرف، التي أكدت أكثر من مرة أن روايتها جراح الروح والجسد نسخة من الألم والغضب. فهي تحمل ملامح سيرتها الذاتية، حيث قالت في حوار سابق مع صحيفة الزمن: ربما الظروف التي عشتُها عبر غسل الكلي بالدياليز وعملية جراحية فاشلة – كل هذه الأشياء دفعتْني إلى الكتابة، حيث كانت عليَّ ضغوطات، فكان يجب عليَّ أن أفجرها، بطريقة أو بأخرى، عبر الكتابة.
الكتابة بالنسبة إلي هي نوع من المخدر، يلهيني عن التفكير في الألم. فإذا استمررت أفكر في الألم والمشاكل التي أعانيها صحيًّا، بكل صراحة سوف أجن، أو سأنتحر! لذلك الكتابة كانت عندي نوعًا من المخدر، نوعًا من المهدئ لهذا العالم الذي أعيشه، لأغرق في عوالم أخرى وشخصيات أخرى. رحيل مليكة مستظرف تلقَّاه رفقاؤها بكثير من الألم والحسرة، حيث عبَّرت الروائية لطيفة لبصير عن حزنها لوفاة مستظرف لأنها لم تكن تتوقع أن تكون النهاية الآن، وقالت: كنت أثق كثيرًا في قوتها وفي أنها لن ترحل الآن. لكن هذه القوة خدعتني، لأنه لم يمضِ وقت طويل على رؤيتي لها، وكانت صامدة. للأسف لا نجتمع حول الإنسان لحظة حياته. لم يكن اجتماع قوي بيننا للحديث حول ما يمكن لنا أن نقدِّم لمليكة مستظرف. كانت مبادرات، لكنها لم تأخذ بُعدها الجماعي. ولا نحس هذه المسألة إلا بعد الرحيل! وأضافت لبصير: تعرفت إليها منذ سنوات كثيرة. وكانت ساعتذاك بصدد إنجاز روايتها الأولى جراح الروح والجسد – هذه الرواية التي هي، نوعًا ما، سيرة روائية قريبة بشكل كبير من حياتها الخاصة. آنذاك عرفت مليكة مستظرف في علاقتها بالحياة اليومية، وفي علاقاتها الأسرية، وحتى في معاناتها مع مرض الكلى، الذي لم تكن نتيجته، للأسف، سوى هذه النهاية. وأشارت إلى أن مستظرف "كانت في مسيرتها الإبداعية قوية في علاقتها بالمرض وفي علاقتها بالمحيط من حولها؛ وقوتها كانت تتجلَّى في تحدِّيها للمرض بشكل كبير. كانت تكتب، وكتاباتها التي حملتها مجموعتها القصصية الأولى ترنتسيس[10] كانت قوية، إضافةً إلى العديد من النصوص التي نُشِرَتْ فيما بعد ولم تأخذ شكل كتاب"، مؤكدة: الأهم هو أن للراحلة نَفَسٌ خاص في الكتابة وفي السرد. وحتى صوتها كان مسموعًا. لها لغة قوية، لغة لا تخاف ولا تحتاج إلى حماية أو تغطية: هي لغة تعرِّي الواقع بنوع من السخرية السوداء. لغتها تمضي أحيانًا إلى البحث، ولكن هي نوع من انتقاد هذا الواقع المرير الذي عاشته، ونعيشه جميعًا. وقد جسدت كتاباتُها ذلك كلَّه. واعتبر حسن البحراوي رحيل مليكة مستظرف "فاجعة أليمة للعاملين في القطاع الأدبي بالمغرب"، وتحدث بألم عن مسارها ومعاناتها منذ نعومة أظافرها مع المرض، الذي لم ينلْ من حجم عطائها الأدبي والإبداعي، حيث "قدمت رواية ظريفة تمثل إضافة نوعية في مجال الكتابة النسائية بالمغرب. وتتميز هذه الكتابات على الخصوص ببراعة أدبية، نظرًا لأنها تعالج قضايا المرأة والجنس في مجتمع مغربي تقليدي – مما فتح الباب على مصراعيه لتتمكن مليكة من إضفاء بصمتها الشخصية على هذا النوع من الكتابات". كما أن مجموعتها القصصية تشكل "شاهدًا على ميزتها الخاصة في المشهد الأدبي القصصي النسائي بالمغرب". وتحدث البحراوي عن حضور مليكة مستظرف في المشهد الصحافي الأدبي، حيث أجرت حوارًا مطولاً مع الكاتب المغربي محمد زفزاف ونشرتْه في إحدى اليوميات المغربية:
لقد ظلت الراحلة مليكة مستظرف تقاوم المرض ومؤثراته وتواجه مرضًا أكبر، هو مرض البيروقراطية في المجتمع المغربي. فقد نالت مليكة مستظرف شرف العناية الملكية لكي تعالَج، ولكن شاءت الظروف الإدارية والبيروقراطية إلا أن تؤخر هذه العناية وتعرقلها، إلى أن حلَّ قدر الله. وأضاف البحراوي: في إطار البحوث التي أشرفُ عليها بكلية الآداب بالرباط، أوسِّع الاهتمام بالفاعلين في الحقل الأدبي المغربي. لذلك كنت دائم الحرص على بعث مجموعة من الطلبة إلى مليكة مستظرف لرصد مسارها الأدبي والثقافي في بحوثهم. وكانت انطباعاتهم عنها جد جميلة، تشجِّع على اكتشافها عبر قراءة منشوراتها كافة. أتأسف لأني لم ألتقِ بها شخصيًّا. إلا أنني كنت حريصًا على علاقاتها في رواياتها وقصصها، وكذلك على الاستماع إليها عبر أمواج الإذاعة المغربية. وتابع:
الجميل أنها كانت دائمًا تبعث لي السلام مع الطلبة الذين أبعثهم لها، وكأنني صديقها الوفي. وأظن أن هاته الصداقة هي صداقة إنسانية وأدبية، وهي أوثق من أنواع الصداقات كافة. أما بهاء الدين الطود، فقد صَدَمَه نبأ وفاة مليكة مستظرف الذي علمه من الصحراء المغربية، وحزن كثيرًا على رحيلها، ودعا لها بالرحمة. كما تحدث عن ذكرى إرسال مليكة مستظرف لمجموعتها الأدبية إليه، حيث حرص على قراءتها وتوزيعها على مجموعة من معارفه وأصدقائه الصحافيين والكتَّاب، المغاربة والعرب، بغية الاستفادة من إبداعاتها في المشهد الثقافي العربي عبر إبرازها إعلاميًّا.
أما أحمد شكر، وهو قاص مغربي، فقد صُدِمَ لنبأ رحيل مليكة مستظرف، واعتبر رحيلها فاجعة للمغاربة:
هل قَدَرُنا أن نتجرع كلَّ هاته الفواجع، أن نرمق بأعيننا توالي غياب أسماء نعزها ونحترمها، أسماء لازالت قادرة على العطاء وفي عزِّ شبابها؟! مليكة مستظرف هي أكثر من اسم عادي: هي اسم حاول أن يحفر في النهر العميق بأبجدية الحياة، بنبشها في المختلِف وفضح الطابو العائلي، سواء من خلال روايتها الجرح العاري أو من خلال مجموعتها القصصية ترنتسيس أو من خلال كتاباتها وحواراتها المتعددة؛ هي اسم قاوم المرض لسنوات طويلة، مرضًا ليس بالعادي، وليس بالمرض الذي يمهل صاحبه. وأضاف: وأنا أسمع خبر الرحيل، يحضرني أول تعارُف برواق المعرض الدولي للكتاب، وهي تسند روحها بعكاز حديدي زادها بهاءً. كانت تحضِّر لاعتصام جملة من المبدعين للتحسيس بخطورة مرضها وبحقِّها في العلاج. وتابع:
مليكة مستظرف إضافة نوعية، ليس للكتابة النسائية، بل للكتابة المغربية وللإبداع الحديث ولطريقة مختلفة في التعبير والفضح وقول "لا" للمؤسسة الأسرية ولكلِّ المؤسَّسات. ها هي ترحل أخيرًا، حاضنةً حزنها وألمها، مخلِّفة لنا حزمةً من الأسى وديوان بوح شفيف ميَّز مسارها وأسَّس لتمردها في الكتابة والحياة. وما كتبت لا يعبِّر عن كلِّ ما تحمل نفسُها الأبية من نَفَس أصيل وعبق حياة.
فليرحمك الله، مليكة، وإنا لله وإنا إليه راجعون! نعيمة النوري وخديجة بوعشرين | |
|