موضوع: ميخائيل روم.. وجماليات السيناريو الأحد فبراير 24, 2008 11:28 am
في محاضرة له عن(البناء الدرامي والممثل والمخرج) قال(روم): ( ان السيناريو ليس مسرحية أو قصة ولا رواية. ورغم وجود تصور عن سهولة كتابة السيناريو، إلا ان الحقيقة الملموسة هي ان كتابة (السيناريو) صعبة جدا. تماما مثل صعوبة كتابة الرواية، الى جانب ان (السيناريو) يملك صعوبة إضافية، فالى جانب متطلبات إشباع الفكرة، ودقة التحليل النفسي، ووضوح الحوار، فعلى السيناريو ان يمتلك كثافة درامية مركزة، وحبكة ديناميكية متطورة، واسلوبا تعبيريا قصيرا ومنسجما ودقيقا. إذ ان واحدة من أهم الصعوبات في كتابة(السيناريو) هو انه يجب ان يكتب ، وان يعبر عن الأفكار في مقاسات محددة جدا، فمثلما لا يستطيع الكاتب المسرحي ان يكتب رواية، فليس من السهل على أي كاتب له القدرة على التعبير ان يجسد أفكاره في غطار السيناريو المحدد الشروط، ان العمل على كتابة السيناريو لهو عمل صعب جدا).( روم - المؤلفات - المجلد 2 - بالروسية -1981). وفي مـــــحاضــرة له في الــــعام 1954 عن ( البنية الدرامية في السينما ومسائل البناء الفني في السيناريو والفيلم) قال: ( عندما دخل الصوت الى الفيلم لم يكن كتاب السيناريو يعرفون كيف يتعاملون معه..؛ والسيناريوهات التي كُتبت فيما بـــــــين 1930 - 1931 ، في فـــــجر الـــــــسينما( الناطقة) كانت تُكتب عادة بحيث ان (الصوت) وضمنه ( الحوار) يبوب جانبيا في مكان خاص به، وبهذا كان كاتب السيناريو يؤكد على الطبيعة الجديدة والغريبة التي دخلت عمله، فالجانب الصوتي والجانب التعبيري الصوري كانا يتواجدان في السيناريو بشكل منفصل. وبقدر ما كان حوار الممثل قد صار يدخل بكثافة في المادة السينمائية، بقدر ما صارت السينـاريوهات تـــــــقترب أكثر من شكل( المسرحية)، فلحد الآن لا يوجد شكل نهائي للسيناريو الأدبي، فسلسلة تــــطور كتابة الســـيناريو لم تنته بعد)( روم - المؤلفات-ج3-بالروسية- 1981). غيراسيموف .. والرواية السينمائية ولكن إذا كان ( دوفجنكو) قد اكد سابقا بان ( السيناريو) هو شكل أدبي يقع بين المسرحية والرواية، و(ميخائيل روم) اكد على إقترابه من النص المسرحي، فان (سيرجي غيراسيموف) أكد على إقتراب (السيناريو الأدبي) من (الرواية). ففي كتابه (تربية المخرج السينمائي)، وفي الباب الخامس المتعلق بالرؤية الفنية، وتحت عنوان فرعي حول (الأدب والسينما) تحدث هو عن تجربته الأدبية والفنية في كتابة (السيناريو) قائلا من المفهوم انني لا استطيع ان اسمي السيناريوهات التي كتبتها بانها قصصا أو روايات كاملة من الناحية الفنية..؛ لكنني شخصيا ، وفي اعماقي، كنت منجذبا لهذا الجنس من الكتابة الأدبية بالتحديد، منجذبا الى الرواية، وهكذا كنتُ ولفترة طويلة، ولحد الان، وبدرجة واضحة وكبيرة، مقتنعا بان السيناريو هو أدب جديد) ( غيراسيموف- المؤلفات- مجلد2 - بالروسية - 1983). ومن المعروف ان المؤلفات الكاملة لغيراسيموف، والتي تتألف من ثلاثة اجزاء، قد خصصت مجلدا للسيناريوهات الأدبية التي كتبها..!!
فيتالي جـــدان .. وعلم جمال السينما لكن كل هذه النقاشات العميقة والطويلة عن خصوصية (السيناريو) باعتباره (أدبا)دعمها وبشكل حاسم، المنظر السينمائي، (فيتالي .ن. جـدان) في كتابه( عـلم جمـال السينما)، فقد كتب في الباب الخامس حول( السيناريو باعتباره الشكل الداخلي للفيلم) ما يلي قراءة السيناريو ومشاهدة الفيلم..من الطبيعي انهما يقعان ضمن شروط تقبل مختلفة، فالقارىء والمشاهد يتعرضان الى لتأثير وسائل تعبيرية مختلفة..؛ فأمام القارىء( لوحة من الكلمات)، اي وصف كتابي، اما المشاهد فامامه الشاشة،الصورة التعبيرية، الأحداث، والكلمات الحية. فالحبكة، الأحداث، الجو العام، والطبائع الشخصية، تبنى في(السيناريو)، رغم انه جنس ادبي، على أساس إمكانيات(السينما) وليس على أساس إمكانيات (الأدب)، وفي هذا التناقض تبدو(خصوصية) السيناريو كشكل أدبي جديد. فنمط الشخصيات الفنية الذي تقدمه الأشكال الأدبية الأخرى،دون اعتبار للعناصر الدرامية(البصرية)،لا يمكن ان تكون انماطا للسيناريو وبالتالي لا يمكن ان تكون انماطا سينمائية).( جدان - علم جمال السينما-بالروسية- 1980). إن احدى الخصوصيات المميزة لنمط الشخصية في السيناريو عما هو عليه في الأدب تـــنحصر قبل كـــل شيء في انه ( لا يعبر عنه بشكل كامل)، علما ان رسم هذا النمط يوجد في(هيئة أدبية كتابية). إن (السيناريو) في إختلافه عن الرواية والمسرحية يجب ان يتضمن بل ويترجم هذا الأختلاف، ومن هنا إتخذ ملامحه،. إنه (السينما) في (الأدب)، أو (الأدب) في طريقه الى الشاشة..؛ مثلما (النص المسرحي)هو المسرح في الأدب، أو الأدب في طريقه الى خشبة المسرح، ناهيك ان كاتب السيناريو يفكر بطريقة صوتية، تعبيرية، صورية، اي انه يعبر عن افكاره بمساعدة الصوت والصورة. وفي رده على سجال نظري بينه وبين المنظر السينمائي (ج. فيلدمان) الذي أكد في كتابه( ديــــناميكية الفيلم) بان ( السيناريو) ليس عملا فنيا متكاملا، لأنه لا يمتلك شكلا محددا، كتب (ف. جدان) صحيح ان قيمة السيناريو تتضح من خلال تجسيده على الشاشة، كما كان(غوغول) في زمانه لا يعتبر (النص المسرحي) عملا متكاملا قبل تجسيده على خشبة المسرح حيث يأخذ النص شكله النهائي، لكن وكما هو معروف فان (العرض المسرحي) ليس هو ( النص المسرحي)، وهكذا الأمر مع السيناريو. إن (إزدواجية) النص المسرحي و(السيناريو) ابدا لا يلغي أهمية إعتبارهما اعمالا أدبية قائمة بذاتها).( جدان- م.السابق). السجال التاريخي الذي بدا في العشرينيات من القرن الماضي حسم تقريبا في النصف الثاني من الخمسينيات لصالح اعتبار (السيناريو) شكلا ادبيا جديدا، وعلى هذا الاساس صار التعامل معه، حيث صارت دور النشر الفنية، سواء في روسيا او في البلدان الأوربية، تنشر السيناريوهات في كتب، او مجلات دورية متخصصة، كما خصصت الجوائز السينمائية الكبرى للسيناريو، كما صارت المؤلفات النظرية للمخرجين الكبار تضم السيناريوهات التي كتبوها، فمن ثلاثة مجلدات تضم مؤلفات (غيراسيموف) نجد مجلدا يضم سيناريوهات بعض افلامه،وكذا الأمر مع (دوفجنكو)و(الأخوة فاسيلفا)، و(كايلريفج)، وغيرهم، كما خصصت الكليات في معاهد السينما لتدريس فن كتابة(السيناريو)، وصار اعتبار (السيناريو) شكلا جديداً من الكتابة الأدبية من المتعارف عليه في مجال السينما، بل ولم يعد هناك من يخلط بينه وبين الرواية، أو من ينظر اليه باستخفاف. الأوربيــون.. رينيه كلير نمـودجا من المعروف ان السينما ولدت في فرنسا على يد(الأخوة لوميير) في العام 1895 حينما قدما عرضا تضمن مشهد وصول القطار الى المحطة وما اثاره من فزع حينها، اذ تصور المشاهدون بان القطار يتوجه اليهم، رغم ان محاولات متوازية كانت تجري في بعض بقاع العالم الاخرى في مجال الوصول الى الصورة المتحركة، لاسيما في الولايات المتحدة من قبل(توماس أديسون)، الا ان تشكل السينما كفن وليس كاختراع جديد فقط كان يجري في مختلف البلاد في العالم، ربما كان للسينمائيين الروس والسوفيت الدور الأكبر في بناء الصروح النظرية لعلم جمال السينما، طبعا الى جانب جهود(بيلا بيلاز)،(جورج سادول)،(ليون موسيناك) ، (كريكاور)، (ماك سينيت)،(لويس ديلوك)،(روبير رازيلاخ)،(جان رينوار)، و(رينيه كلير)، وغيرهم. وكانت النقاشات حول جماليات الفن الجديد الناشيء تأخد مساحة واسعة من النقاش والسجال الفني في العواصم الأوربية، وكان الصراع بين المسرح والسينما، والشعر الصافي والسينما الصافية، والأدب والسينما، والسيناريو الأدبي والرواية، ودور الممثل، وإشكال الصوت في الفيلم، وما شابه من موضوعات، هي المحور الاساس. ولكي لا نقع في التكرار، نتوقف عند واحد من كبار مخرجي السينما (الصامتة)، ثم(الناطقة)، واحد المنظرين في جماليات السينما، الا وهو المخرج الفرنسي( رينيه كلير) الذي لخص إشكالية الأدب والسينما في عدد من المقالات المهمة،إذ يكتب في مقاله( نتائج أولى) مقارنا المسرح والرواية والسينما: ( اذا دعت الحاجة لتوضيح اختلاف العرض المسرحي والعرض السينمائي بمثال جيد، فقد يكفي التذكير بان المؤلفات المسرحية طبعت، في جميع الأوقات، بينما ندر عرض المؤلفات المعدة للشاشة أمام القارىء، ويرجع سبب هذا الشذوذ بلا ريب الى ان شكل كتابة الأثر السينمائي يجعل قراءته متعبة. يقرا المرء أثرا مسرحيا، فيعلم من بضعة أسطر مكان وقوع الحكاية وزمنها،وبهذه المعلومات يستغني عن كل شيء آخر يتعلق بالاطار او الفصل، ويقتصر اهتمامه على شخصيات المسرحية، بينما مؤلف الافلام يتحرك بمرونة خلال الزمان والمكان، لا يحبسه اي تزيين ولا يحدد مدته اي مقاس. حرية مؤلف الافلام في التصرف بالزمان والمكان يستفيد منها الروائي ايضا، ففي الرواية كما في الفيلم قد تشكل سهرة محور الاثر كله، ولكن يمكن انقضاء عدة سنوات في الرواية ببضعة أسطر، وفي الفيلم ببضعة ثوان، ومع ذلك فالرواية، المعدة لقارىء يغلق الكتاب على هواه وعندما يشاء يضعف انتباهه، لا يخضع لقواعد العرض السينمائي الذي يجب على المؤلف السينمائي ان يحافظ على فائدته منذ العرض وحتى حل العقدة وبدون انقطاع. أما بما يتعلق بمراعاة هذه القواعد،فلا يختلف مؤلف الافلام عن المؤلف الدرامي، مهما اختلفت التقنيات التي يستعملها كلاهما. ولهذا يمكن القول في تعريف طابع القصة السينمائية عن طريق المقارنة، انها تقترب من المسرح في بنيتها ومن الرواية في شكلها). ( رينيه كلير - سينما الأمس وسينما اليوم- بالعربية- ت: مصطفى صالح -دمشق-1967). صحيح ان ( كلير) كتب هذه الملاحظات في الاربعنيات من الــــــقرن الماضـــــي، اذ جرت تـــــغيرات في (تقنية كتابة الســــيناريو) وكان للكــــــاتب الاميركي( سيد فيـلد) والألماني(بيتر ميترس هايمر) وغيرهما ، لكن تبقى ملاحظاته نموذجا عن السجال النظري الأوربي في تاريخ مسيرة (السيناريو).
السيناريو.... عربيـا بعد هذه المقدمة السريعة والمكثفة في إشكالية(السيناريو) باعتباره شكلا جديدا من الكتابة الأدبية، ادفع بالحديث الى الزاوية الحرجة. فلا زالت النظرة الى (السيناريو) من قبل الأدباء والفنانين في بلدان الشرق الأوسط غير جدية، وموسومة بالــــــــــــتبسيط، وعدم الأكتراث، والاستعلاء الأدبي، علما ان كبار الكتاب الروائيين في العالم كتبوا السيناريو، أمثال: شولوخوف، غوركي، تــــــــــيخونوف، الكسي تولستوي، وليم فولكنر، جون شتاينبك، دوس باســــــــــوس، سالنجر، سارويان، جاك بريفير، ماركيز..وغيرهم. هناك إشـــــــــــكالية حقيقية في النقد الأدبي العربي الحديث، ألا وهي إشكالية المصطلح النقدي، ففي معظم آداب العالم المتطورة توجد،على سبيل المثال لا الحصر،ما يسمى ب (القصة القصيرة)، ( شورت ستوري) بالانكليزية،(ايرتسيلونغ) بالالمانية، (راسكاز) بالروسية، كما توجد (القصة الطويلة) التي يتفق الجميع على تسميتها بـ (نوفيل)، وكذلك (الرواية) التي يتفق الجميع ايضا على تسميتها (رومان)، بينما لا نجد مجالا رحبا للتعامل مع (القصة الطويلة)،(نوفيل)، في النقد الأدبي العربي، فـ (القصة الطويلة) تسمى (رواية) ايضا وهذا ما يقود الى فوضى نقدية، ويمكننا ان نستشهد بالعديد من القصص الطويلة التي تحمل أسم ( الرواية). بل هناك إشكال آخر، الا وهو العشوائية في إطلاق النعوت والتسميات، فبسبب غياب الثقافة الفنية السينمائية، وغياب النقد الفني، والسينمائي الجاد، وغياب البحوث النظرية في علم جمال السينما، واحادية الثقافة الفنية والنقدية لدى معظم النقادن لا سيما من العاملين في مجال الصحافة الثقافية اليومية، إلتبست التسميات، فلو القينا نظرة متفحصة على بعض ما تسمى ب(الروايات) العربية لكتاب عرب معروفين لوجدنا انها لا تتعدى كونها سيناريوهات أدبية جيدة. فمعظم (روايات) و( قصص) الكاتب إحسان عبد القدوس، و(روايات) عبد الحليم عبد الله، و(بعض) قصص يوسف إدريس ، و(بعض) روايات وقصص الكبير نجيب محفوظ، و(بعض) أعمال مجيد طوبيا،وكذا الأمرمع(بعض) اعمال حنا مينة، و(بعض) روايات وقصص اسماعيل فهد اسماعيل، والقائمة طويلة. وليس في هذا الأمر ما يعيب ابدا، لكن المأخذ الاساس هو عدم تلمس الفروق الاسلوبية والاستسهال في إطلاق التسميات، ويبدو ان هذه احدى سمات الثقافة العربية المعاصرة. وربما يعود الفضل للدراما التلفزيونية في إعادة الاعتبار للسيناريو ولكتابه، فعلى مدى عشرات السنين من نشاط السينما العربية الانتاجي لم يعرف السيناريو وكتابه هذا الاهتمام كما هو الاهتمام الذي نلمسه اليوم، وهذا يعود بدوره ايضا الى تالق اسماء أدبية مهمة في عالم الدراما التلفزيونية والسينمائية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أسامة انور عكاشة، محمد جلال عبد القوي، بشير الديك، وحيد حامد، مصطفى محرم، عبد الرحمن زايد، حسن.م.يوسف، هاني السعدي، وداد عبد اللطيف الكواري، فجر السعيد، محمود عبد الواحد، محمد قارصلي، وغيرهم. فهذه الاسماء تصطف اليوم الى جانب اسماء أدبية معروفة، ولو كان هناك تقليد ادبي وثقافي بطباعة السيناريوهات المكتوبة للافلام والدراما التلفزيونية، لأقبل القراء على كتب هؤلاء مثلما يقبلون على روايات الكتاب الآخرين، بل ولأضاف ذلك متعة جديدة عند القراءة ألا وهي متعة المقارنة بين النص المكتوب والعمل الفني المقدم على الشاشة. إن النظر الى (السيناريو) بجدية واهتـــــــــــــــمام، والحث على ترجمة السيناريوهات العالمية، وتشجيع الكتاب في البلدان العربية على نشر اعمالهم باعتبارها أعمالاً ادبية، وترجمة الدراسات النظرية حول فن السينما وجمالياتها، سيعود ليس على السينما في هذه البلدان بالصحة والعافية الفنية وتمنحها العمق والشاعرية فحسب، وانما تعود على جميع الكتاب والادباء بالفائدة العظيمة ايضا، حتى على مستوى كتاباتهم لقصصهم ورواياتهم، وليس لي هنا سوى التوقف عن شهادة الكاتب الكولومبي المعروف(غابريل غارسيا ماركيز) الذي عمل لسنوات ككاتب سيناريو، إذ يقول أعتقد دائما ان السينما بامكانياتها البصرية الهائلة، اداة التعبير المثلى، ولعل كل مؤلفاتي السابقة على (مائة عام من العزلة) متحدرة من هذا اليقين، فهي مطبوعة بتطرف الاندفاع نحو تصوير المشاهد والاشخاص، والصلة المليمترية بين وقت الحوار والفعل، وهاجس التشديد على وجهات نظري وأفكاري... ولم يجعلني عملي في السينما أدرك ما يمكن ان يقوم به الكاتب فحسب، بل ما يجب الا يقوم به كذلك. وبدا لي ان سيطرة الصورة على عناصر روائية أخرى، ليست ميزة وحسب، وانما هي تحديد لها، وقد بهرني هذا الاكتشاف، وادركت ان الامكانية الروائية غير محدودة.. من هنا أقوى على القول ان تجربتي في السينما ضــــخمـــــــت امـــــكانياتي الروائية دون ريب).( ماركيز