مع انتشار المحطات الفضائية، صار التلفزيون أهم وسيط اتصال معاصر يكاد يتواجد في كل مكان، ويخاطب ملايين الملايين من كل الأعمار والفئات والأجناس في الأقطار، بل القارات المختلفة.. يقدم المعلومات والدعايات، والأفكار والقيم والعواطف، والأخبار الفورية من موقع الحدث.. يقدم الترفيه والثقافة والتاريخ والجغرافية.. يقدم الحقائق والأكاذيب والأوهام والفضائل والرذائل والتفاهات، وكل ما يمكن تصويره ونطقه.. جهاز يتمركز في صدر البيت أو المكتب وتتحلق حوله العائلة لتشاهد وتسمع ما يعرض بصورة حية ناطقة، وإضافة لوظائفه الأولى: الإعلام، التوجيه، الإعلان، التثقيف، التعليم، الترفيه.. صار التلفزيون وسيط اتصال تتيح برامجه وتقنياته للمشاهدين التواصل والمشاركة والتعليق..
باختصار صار هذا الجهاز ديوان العرب والعالم الأكبر، الذي ما من معرفته، والتعامل معه، وتعلُّم مفرداته مَفَرْ…
(2)
والسيناريو هو أحد الأسس التي ينهض عليها التلفزيون، أعني مواده المقدمة (الروائية، والعلمية، والتعليمية والدعائية..) ككل الفنون المشهدية: (المسرح، السينما، العروض المنظمة..) والكلمة- السيناريو- ذات أصل لاتيني وتعني: حكاية أو سرد المشاهد، وكانت تطلق في إيطاليا في القرن التاسع عشر على العمل المكتوب الذي يقوم به المخرج المسرحي متضمناً سرداً ووصفاً كاملين لمشاهد المسرحية بالتتابع، ولمشتملاتها وحركة وأداء الممثلين، والمناظر، والتقنيات… الخ. ومع ظهور السينما عمم هذا المصطلح على العمل المكتوب لأجل الشريط (الفيلم).. واليوم تعني كلمة سيناريو -في المجال الذي نتحدث عنه-: الفيلم مكتوباً على الورق..
وتوسع استخدامها ككل المصطلحات –لتشير إلى المخططات والتصورات التي توضع لقضية أو حدث..
(3)
السيناريو أيضاً هو جنس إبداعي تقني ووسيلة تعبير خاصة متفردة بين وسائل التعبير الإبداعية (الأدبية والفنية) الأخرى… ومعرفته، وتعلُّم التعبير بواسطته، صارا ضروريين في وقتنا الراهن مع تعاظم أهمية التلفزيون، التي تحدثنا عنها آنفاً، والسينما والفيديو أيضاً… وينبغي أن يصار إلى تجاوز الأسلوب المتبع في تعليمه حتى الآن في بلادنا الذي ينحصر في: الدراسة المتخصصة في معاهد السينما (وهي محدودة في الوطن العربي) والجهود الخاصة التي يقوم بها كتاب أو حرفيون هنا وهناك لاشباع رغبة تعبيرية، أو لتلبية الطلب المتزايد على النصوص والتطلع لمخاطبة ملايين المشاهدين، إضافة إلى المكافآت العالية.. وهناك أخيراً التعلُّم من خلال الدورات وورشات التدريب المكثفة التي تقام بين الحين والآخر..
برأيي أنه يجب تجاوز هذا الوضع المحدود والعشوائي ليتم تعليم السيناريو بشكل منهجي جاد يتناسب مع أهميته، في المؤسسات التعليمية المختلفة كما هو الحال –مثلاً- مع تعليم الأدب..
وهنا أشير إلى توقع أن يركز التطور التقني –في مجال الإعلام والاتصال- في الفترة القريبة المقبلة، على الوصل والربط بين التلفزيون والشبكة الدولية (الإنترنت) والهاتف المتنقل (الموبايل) وهو تطور نلاحظ بداياته الآن، وسيحقق عند إنجازه ثورة كبرى في الإعلام والاتصال، نظراً لما يملكه هذين الوسيطين –التلفزيون والشبكة الدولية- من قدرات هائلة.
(4)
وفي مجال تعليم السيناريو، أروي تجربة شخصية حدثت لي خلال إقامتي في دمشق، فقد قمت بين عامي 1995م – 1996م بتعليم السيناريو –في دورات نظرية وتطبيقية متخصصة- ولفت انتباهي مدى الاقبال الذي حظيت به هذه الدورات من قبل الراغبين في تعلُّم هذه اللغة التعبيرية: رجال ونساء وشباب وفتيات من كل الأعمار والمهن والاهتمامات والخلفيات المعرفية.. كما تلقيت عروضاً لإقامة مركز متخصص في تعليم الفنون السمعية – البصرية (السيناريو، الإخراج، التصوير التلفازي والسينمائي، النقد، التصميم، التأليف الدرامي، إعداد البرامج التلفزيونية… الخ). ما يبين مدى الحاجة إلى تكوين معرفة منهاجية منظمة في هذا الحقل.
(5)
* ما الذي يدرسه السيناريو؟
* قلنا أن السيناريو هو: الفيلم مكتوباً على الورق… وهذا المعني يشير إلى نوعين من السيناريو –بحسب الكاتب والمحتوى- هما:
* السيناريو الأدبي: وهو النص المكتوب الذي يضعه المؤلف –بشكل أصيل أو مقتبس عن عمل أدبي أو فني أو تراثي..
* السيناريو التنفيذي – التقني أو الإخراجي: ويعني التصور الذي يضعه المخرج للنص متضمناً اللقطات والزوايا والإضاءة وحركة المصورة (الكاميرا… الخ) والذي سيباشر على أساسه تنفيذ الفيلم مع فريقه…
ودراسة السيناريو إنما تعني بالنوع الأول:
السيناريو الأدبي: خاصيته، ولغته، (خاصية اللغة السمعية- المرئية) وأنواعه: من حيث الموضوع والوسيلة والجمهور المستهدف (الروائي- الثقافي العلمي- التعليمي) وأشكاله (الروائي- الوثائقي- التسجيلي- المختلط) ومصادره (الواقع، الخيال، التاريخ والأساطير، الآداب والفنون.. الخ) وموضوعاته (الواقعية، التاريخية، الخيالية، الاجتماعية، التربوية، البيئية، السياسية، المعرفية، الشخصية، الدينية، الحربية.. الخ) وبنيته (الدرامية + الفنية: السمعية- المرئية) ومراحل كتابته (اختيار الموضوع، البحث والتحضير والإعداد، فرز المعلومات وتصنيفها، كتابة الملخص، المعالجة الدرامية، الصياغة النهائية) وهذا يتم في حالة السيناريو الروائي المعد لفيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني. أما في حالة الفيلم الوثائقي فيتم (اختيار الموضوع- جمع المعلومات والمواد الوثائقية: المكتوبة والمرئية والمسموعة، تحديد الشخصيات، تحديد المعلومات المستخدمة، وربما يتم اقتراح أماكن التصوير وكذلك التعليق…) وبالنسبة للفيلم التسجيلي -وغالباً ما يقوم مُعد البرنامج أو مقدمه بوضع سيناريو له- فيتم: تحديد الموضوع وفكرته، تحديد الأماكن والشخصيات والموضوعات التي سيتم تصويرها أو الحديث مع الشخصيات عنها…
في كل الحالات والمراحل، يقترن الدرس بأمثلة تعليمية توضيحية، وبوظائف ومشاريع تطبيقية، تمكِّن الدارسين من الاستيعاب، وتتيح لهم التعبير عن أنفسهم واختبار قدراتهم..
(6)
ختاماً نقول: ان تعليم السيناريو هو مثل تعليم الأدب (الشعر، القصة، الرواية، المقالة، النقد… الخ) لا يصنع كتاباً، وإنما يوفر الإمكانية لذلك، ويساعد على الإرتقاء بالذائقة العامة وتعزيز قدرتها على التمييز والنقد، في وقت نشهد فيه إنتهاكاً تلفزيونياً – سينمائياً شاملاً…